للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على طريقة أوتوماتيكية خالية من البحث والتفكير والابتكار. وله العذر في ذلك لأن الحالة القائمة بين جدران المدارس وفي تقدير كفايات المدرسين وأعمالهم لا تشجع مع الأسف على شيء من ذلك. فمعلم اليوم مكبل بقيود ونظم وتقاليد لا تسمح له بالتفكير في مستقبل تلاميذه إلا في دائرة محدودة جداً هي دائرة المنهج المقرر وعدم الخروج عنه لأي سبب من الأسباب، والعمل على إنهاء دراسته في المدة المحدودة له حتى يستطيع طلابه اجتياز الامتحان. وهذا هو كل ما هو مسئول عنه. فهو بذلك معذور حقاً إذا لم يحاول أي عمل أكثر من إلقائه الدرس المليء بالمعلومات التي لا تمت إلى الحياة بصلة في الغالب مكررا على أسماع تلاميذه برغم أنوفهم تلك المعلومات التي لا تثير ميولهم ولا غرائزهم ولا تثير فيه ميلا إلى البحث والتفكير؛ لأن ما ذكره في الأعلام الماضية يجئ فيكرره في عامه الحاضر دون تنويع أو تحوير ما دامت الطريقة التي اتبعها من قبل قد أرضت المفتش والناظر وأدت إلى نجاح معظم تلاميذه في الامتحان. هو معذور إذا لم يعمل عملا ما لتحسين حال تلاميذه من الوجهتين الصحية والخلقية لأن المدرسة لا يعنيها ذلك. وهو معذور إذا لم يحاول أن يعرف تلاميذه شيئاً عن الحياة وما يحيط بهم منها وما يتعلق بها داخل المدرسة وخارجها، لأنه إن فعل ذلك أجهد نفسه فيما لا يقدره أحد ولا يشجعه أحد؛ ويجد نفسه قد أضاع جزءا من الوقت الثمين المخصص لإنهاء المنهج الذي لا يقدر رؤساؤه غيره، فلا بد له من ملء الأدمغة وحشوها بكل ما جاء فيه مهما كان نوعه ومهما كانت قيمته بالنسبة إلى ميول التلاميذ. وما عليه من بأس ما دام قد خلق المنهج في أدمغة التلاميذ سواء اعرفوا شيئاً عن الحياة بعد ذلك أم لم يعرفوا. ثم هو معذور إذا لم يعرف شيئاً عما يجري في مختلف البلاد المتحضرة من آراء حديثة وأفكار جديدة في التربية والتعليم لأنه لا يتابع قراءة شيء عن ذلك. ولعل أكثر من تسعين في المائة من المعلمين لم يقرءوا شيئاً من مقالاتي هذه لما يستشعرون من رؤسائهم من عدم اهتمام أو عدم تقدير لكل تفكير جديد. ثم نحن محاطون بكثير من المدارس الأجنبية المنتشرة في البلاد التي تتبع طرقاً في التعليم غير طريقتنا. فمن يا ترى من رجالنا فكر في الاتصال بها ومعرفة شيء مما يجري بين جدارنها! فالمعلم المسكين لا يفتح عينيه إلا على تلاميذه ومنهجه ودرسه! ثم هو معذور إذا لم يتعاون مع زملائه التعاون الضروري لرفع مستوى التعليم في معهده

<<  <  ج:
ص:  >  >>