وتكوين الجماعات التعاونية بين طلابه؛ لأنه مشغول بنفسه وبالدفاع عن قضية عيشه في أوساط تكلفه أكثر مما يطيق وتغمط حقه في الحياة ولا تقدر مسئولياته فيها؛ ولأنه مشغول بالكر والفر بين زملاء يتنافر الكثيرون منهم معه في الثقافة والتكوين ولا يتفقون معه في الآراء ولا ينسجمون معه في العاطفة والروح بطبيعة اختلاف ثقافاتهم باختلاف المعاهد التي نشأوا فيها.
لذلك نكلف المعلم شططا إذا نحن طالبناه بالخروج عن جموده إلى العمل الجدي والنهوض بتلاميذه وبمدرسته، لأنه مقيد بقيود تقف حجر عثرة في سبيله بعضها يرجع إلى البيئة المحيطة به وبعضها يرجع إلى التصرفات التي تجري في محيطه التعليمي. فهو غالباً لم يدخل مهنة التعليم لحبه لها وشغفه بها كما يدخل غيره في باق المهن. معنى ذلك أنه مسوق إلى العمل في مهنته برغم ميوله وإرادته. ولقد اثبت هذا الرأي من زمن بعيد الخبير الفني المسيو كلاباريد في تقريره عن حالة التعليم في مصر تحت عنوان (النزعة البيداجوجية) إذ لاحظ أنه من بين الـ ٦٩ طالباً بمدرسة المعلمين العليا الذين وجهت إليهم أسئلة عن سبب اختيارهم لمهنة التعليم لم يختر منهم هذه المهنة بدافع الميل غير ٣١ طالباً أي أقل من النصف؛ وأن كثيرين منهم التحقوا بهذا المعهد لأن معاهد أخرى رفضت قبولهم. ومعنى ذلك أن عدداً ليس بالقليل من المشتغلين فعلا بالمهنة البيداجوجية لا تتوفر فيهم النزعة الغريزية إليها. فإذا كانت هذه الحالة في مدرسة المعلمين العليا سنة ١٩٢٩ قبل إلغائها فإن الحالة لا زالت هي هي في معهد التربية الذي أنشئ على أنقاضها وفي دار العلوم وفي معاهد المعلمين والمعلمات التي امتلأت بالفتيان والفتيات لا رغبة في مهنة التعليم وحبا فيها في كسب العيش عن طريقها. ولذلك فإنا لا نجد في خريجي هذه المعاهد من القائمين بأمر التعليم الآن إلا أناساً مسوقين بحكم وظائفهم مجبرين على العمل الذين يقومون به لا محبين فيه. ويزيد نفورهم من المهنة ما يقاسون فيها من عناء وكد وإجحاف بالحقوق بالنسبة لأقرانهم وزملائهم في المهن الأخرى. وما يقاسون فيها من تنافس وتنافر غير مشروع بينهم يظهر من آن لآن بسبب النزعات والثقافات المختلفة. ولذلك فإنا مقتنعون بأن الحجر الأساس في بناء نهضة التعليم في مصر ينحصر في تشويق الشباب إلى المهنة وتحبيهم فيها بما يجب أن يوجد فيها من مغريات ومشجعات لا أثر لها فيها اليوم، كما ينحصر في