سمعنا بلبن الإنسان وتذوقناه كلنا، وسمعنا بلبن الأبقار والجاموس وشربناه لا شك جميعا، وبلبن الماعز ولبن الجمال، ولا ريب أن منا عدداً غير قليل أسعدته المصادفات بتذوقهما واستمرائهما، حتى لبن الحمير يدخل في دائرة ما عَرَفنا أو سَمِعنا في الحياة، ومن الناس من يحدثك عن فوائده وأسراره بأحاديث حارّة لا تتشكك بعدها في صفاته وآثاره. وغير هذه الحيوانات عدد كثير تهيئ اللبن لصغارها طعاماً سائغاً تستحضره من غذائها إذ يجري في دمها فتستخلصه منه مجموعةٌ من الغدد أُسميت بالثُّدِيّ. أما لبن الحمام، وهو طائر يبيض، فلم يسمع به الكثير، ولكنه مع ذلك حقيقة، فهو إفراز كاللبن تفرزه الحمامة قبيل أفراخ بيضها، وتستمر في إفرازه أياماً عبد إفراخه، وتطعم به صغارها وهن ضعاف عراة، وهذا اللبن ثخين يضرب لونه إلى البياض، ويحتوي الدهنَ الذي تحتويه الألبان، وكذلك يحتوي زلالها، فيبلغ مقدار دهنه ما بين ٢٥ إلى ٢٩ في المائة، ويبلغ زلاله ما بين ١٣ إلى ١٤. ٥ في المائة وهذان يبلغان في لبن البقر نحواً من ٣. ٧ في المائة و ٣. ٥ في المائة على التوالي.
فلبن الحمام إن خالف ألبان الأبقار فهو يشبه لبن الأرنب في مقدار دهنه وزلاله، غير أنه لبن يعوزه سكر الألبان وكل سكر غيره.
والحمام لا يحضر لبنه في ثديه، فليس له ثدي، وإنما يفرزه في حويصلته
ومن الغريب أن الذكر يفرز اللبن كما تفرزه الأنثى، وهذه ظاهرة لا ينفرد بها الحمام، فقد عُرفت من الحيوانات الثدييّة أنواع تتعادل ثدي إناثها وذكروها حجماً، ويشتركان كليهما في تغذية الوليد الرضيع. حتى الوَطواط يُظن إن ذكره يساعد أنثاه في الإرضاع أحيانا.
والرجل ذو ثديين هما فيك وفيّ منضمران، ولكن قد عُرف من البشر رجال تضخمت ثدِيّها حتى كانت كالنساء وقطر اللبن منها وسال. والفسلجيون لا يعدون هذه الظاهرة فلتات من الطبيعة وإنما هي لديهم شارة إلى أن الحيوانات في أبان نشوئها كان يشترك جنساها بالسوية في تغذية الرضيع وإنجاده كما اشتركا في إيجاده. ثم تلا هذا أن تخصصت الأنثى