للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المثل الأعلى]

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

من أهم وسائل النجاح في الحياة أن يحدد المرء له هدفاً يجعله غاية يسعى إليها؛ لأن تحديد الغرض يمكّن صاحبه أن يتخذ له من الوسائل ما يضمن تحقيقه والوصول إليه، أما هؤلاء الذين يسيرون في حياتهم بلا هدف معين، فهم كالذين يخبطون في الصحراء على غير هدى، قد تقودهم أقدامهم إلى بلد أمين، وقد يرديهم الجهل والتخبط فيهلكون.

والمثل الأعلى نوع سامٍ من أنواع تحديد الهدف، لأنه الغاية القصوى التي يراها الإنسان منتهى آماله، ويعد نفسه سعيداً ناجحاً إذا انتهى به المطاف في الحياة إليها؛ فهو للإنسان كالمنار الهادي، يجذبه بنوره ولألائه، ويضيء له مسالك طريقه ويرشده إن انحرف أو ضل، ويغريه إن يئس أو مل.

وهو يختلف باختلاف الناس، فما يصلح أن يكون مثلا أعلى للتاجر، لا يصلح أن يتخيره الصانع، والزارع والمصلح والكاتب والسياسي؛ لاختلاف كل فرد منهم في غاياته ومراميه، كما تختلف المثل العليا باختلاف عزمات الناس؛ فما يتخيله صغير الهمة مثلا أعلى لا يرضى به الطموح، ولا يقنع بالوقوف عنده:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم

والغاية التي يسعى إليها المرء لا تسمى مثلا أعلى إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان: أولهما أن تكون بعيدة المثال، تحتاج إلى أمد طويل في تحقيقها، بل قد تحتاج إلى الحياة كلها. فالآمال التي يمكن أن تنال في بضعة أعوام لا تدعى مثلا عليا، فأن تكون مهندساً أو طبيباً أو قاضياً ليس من المثل الأعلى في شيء؛ ولكن أن تكون كبير المهندسين أو شيخ الأطباء أو قاضي القضاة هو المثل الأعلى الذي تكرس على نيله الحياة. وثانيهما أن تتطلب في الوصول إليها جهداً غير عادي؛ فما يمكن أن تناله من الرقي بمرور الزمن وحده لا يعد مثلا أعلى، أما ما يحتاج منك إلى المشقة، ويكلفك الجهد، ويدفعك إلى العناء، وكثيراً ما يحملك على أن تنهج نهجاً غير مألوف، وأن تخترق الطريق من غير مواضع بدئه ونهايته فذلك هو المثل الأعلى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>