مموهة بالطلاء والمساحيق. ومهد لهذه الحالة ما عصف بالمجتمع من زعازع، وما روعه من مصائب، فأفلتت أعنة الشعر من أيدي الشعراء وراح بعضهم يجشم الألفاظ والبحور ما لا طاقة لها به.
كان الشاعر يحمل على جبينه نجمة الإلهام فيتقوى على النوائب ويخوض الظلمات غائصاً إلى الأعماق، فصرف نفسه عن الهدف المقصود متلهياً بالأوضاع السخيفة تلهي الطفل بالأكر. . . وهكذا فقدت الحياة تلك الروعة التي كانت ترفل في أوشحتها الهفافة.
فإذا لم يتحرر الشاعر من مادية هذا العصر ويعمد إلى قيثارته القديمة فإن الشعر سائر إلى الموت.
هذا - وهل يستطيع أن يسمعنا أنغام الحياة بما فيها من خير وشر وقبح وجمال غير الشاعر؟ وهو لا يؤدي رسالته في الناس إلا حين يصور لهم أحزانهم وأفراحهم، ويهديهم إلى مواطن الحق حيث تسود الميول والعاطفة والإحساس.
وكيف ترتاح النفوس إلى الشاعر إن لم يحمل إليها الأمل والتعزية، ويوفر لها تلك الحياة الجميلة في شتى نواحيها؟
وهذه الحياة التي نريد أن يخلقها الشاعر لا نعثر عليها في منتجات شعراء العصر بسبب المادة التي استأثرت بشعرهم فأفقدته تلك الحرارة بفقد العوامل التي كانت تثيره وتطلقه شعلاً زافرة على آفاق المجتمع. وهكذا اختل نظام الشعر - وما كان الشعر إلا دموع الإنسانية تنحدر قطراتها بلسماً على جراحه.
وبعد. فيستطيع الإنسان أن يبني القصور، ويحشد الثروات، ويستعمر الأرض والفضاء. . . يستطيع أن يفعل كل شيء، لكنه إذا تغافل عن الشعر فإن حياته تمسي عارية جرداء. والغرب لو لم يخنق عاطفته وشعوره ما كان ليعاني اليوم أكبر أزمة فكرية في تاريخه.
إن مستقبل الشعر بين الموت والحياة. فعلى الملهمين من أبناء الحياة، وقد سطروا القيم الخالدة على مدار العصور، أن يحتضنوا الشعر ويغذوه بجمال الطبيعة ليقوى على مواكبة الأجيال.