للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الألعاب العربية]

للأستاذ محمد محمود زيتون

- ٢ -

ومن البداهة أن الألعاب العربية - وأن كان بعضها في الأصل فارسيا - قد أدت مهمتها في شغل أوقات الفراغ لدى صبيان العرب وصباياهم. مما يدل على أن قسوة الصحراء وخشونة العيش وعنجهية الطبع كل ذلك لم يمنع من إعطاء الحياة لونا زاهيا يشيع معه الفرح والمرح ويهدف إلى تسلية النفس وتسرية الخاطر وترفيه الروح حتى أنتجت مصانع العروبة فوارس الغارات وحماة الثغور.

ولا يخفي ما في هذه الألعاب من استجابة للغريزة البشرية عامة وللبيئة العربية خاصة، ولعل كثيرا وكثيرا جدا غير ما ذكرنا من ألعاب - كان سائدا في تلك البيئة التي نبع منها الشعر وفاضت به البحور.

والشعر ليس إلا نوعا من اللعب كان يلهو به العربي كلما ترامى بين يديه الزمان والمكان جميعا، ولعل معالي أستاذنا الدكتور طه حسين بك كان موفقا كل التوفيق إذ اعتبر (لزوميات ما لا يلزم) نوعا من اللعب الذي كان يزجى به أبو العلاء المعري وقته وهو رهين المحبسين.

ومن هنا تبرز القيمة الحضارية للألعاب العربية فلا ينبغي لها أن ينظر إلها الدارسون على أنها عاديات (أنتيكة) ولكنها في جوهر الحقيقة معالم حظارة، ومعارف حياة: فيها عرق ينبض، ودم يجري، ونسيم يرف، ورمال تسفو، وبعر يتفتت، وشباب يجد ويلعب.

وإلى جانب هذا نرى الإسلام يسجل للألعاب العربية ما تستحقه من ذكر؛ مشجعا على النافع، مبغضا في الضار، كالقمار والميسر والأزلام وغيرها.

ومقياس النفع والضرر في العرف الإسلامي لا يشذ عن روح هذا الدين المتين وهو إعلاء الغريزة البشرية كأساس للتربية الصحيحة الكاملة لكل من الفرد والجماعة.

وأقرب مثل لذلك أن النبي كان يلعب وهو صغير بعظم وضاح مع الغلمان فمر به يهودي فرأى مهارته في اللعب وميزته على رفقائه فدعاه اليهودي وتوسم فيه البراعة وقال له: لتقتلن صناديد هذه القرية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>