والذي يقفز إلى (الترام) أو إلى (الأوتوبيس) ليقدم لك بضاعته التي لا تساوي كذا. . مليما. .
والمتسول الملح في سؤاله. . . وحامل صندوق (الورنيش) الذي يزعج المار والجالس بصوت فرجونه وترديد ندائه. . .
وجامع أعقاب السجائر. . . و. . . و. . . أبناء الشارع
الشارع إذاً معرض لكثير من الحرف والمهن، وسوق لعدد وفير من العارضين بضاعتهم التي إذا قومت فلا تقوم إلا بثمن زهيد، ويعرضونها في إلحاح ومذلة، ولكن في صبر وجلد ما الذي حمل هؤلاء على أن يدفعوا بأنفسهم في هذا السبيل؟ سؤال يلقيه على نفسه من يحضر لمصر للتنزه أو لدرس حالتها الاجتماعية، ويلقيه كذلك المصري دقيق الملاحظة. هل حملهم على اعتساف هذه الطريق الربح من غير تعب؟ لا أظن ذلك، إذ أن التعب شديد والربح ضئيل، وبعبارة اقتصادية العمل كثير شاق والإنتاج قليل الأثر، أي شيء إذاً؟ ألميل إلى (حفظ البقاء؟) وهو - كما يقول علماء النفس - أساس كل الميول الفطرية أو أساس لكل التصرفات النفسية غير الإرادية.
ربما يكون لك باعثاً لهم على السعي لجلب القوت فحسب. ولكن لماذا تحتم أن يكون الشارع ميدان الكفاح؟
هذه ظاهرة اجتماعية مزدوجة: تنم أولا عن شدة الحاجة من جانب (ابن الشارع) واستباحته الطرق والميادين العامة ومركبات النقل وإزعاج الراجل والراكب كوسائل لسد هذه الحاجة ودفعها، وثانياً عن مقدار الرعاية من جانب الحكمة لأفراد الأمة، أو عن مقدار اتجاهها نحو المصلحة الشعبية وبعدها أو قربها من المنفعة الشخصية.
كثير من الناس يلوم (ابن الشارع) ويزجره لأنه في نظره قد انتهك حرمات الغير بإزعاجه، وأساء استخدام المنافع العامة التي يجب أن تبقى مضمونة من العبث.