للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة العلم]

قصة المكروب

كيف كشفه رجاله

ترجمة الدكتور احمد زكي بك مدير مصلحة الكيمياء

ظل يغدو ويروح بين عماله في هذا البيت فلا يستقر به مكان، وظل يشرف فيهم على تركيب مركبات جديدة رجاء أن تكون أكثر إبداعاً من المركب الذي كان، ودار في كل حجرة وسار إلى كل ركن فلم يستطع أحد حتى قدريت أن يتتبع أثره. وأملى كاتبته الآنسة مرثا مركرت مئات من الكتب اتسعت لكثير من حماسته وحرارته، وقرأ آلافاً من الكتب جاءته من كل ركن من أركان الأرض، واحتفظ بتقرير دقيق عن كل حالة بل عن كل جرعة من الجرعات الخمس والستين ألفاً من السلفرسان التي حقنها الحاقنون في بقاع الدنيا في عام ١٩١٠. وكان احتفاظه بها على مثال هذا النظام الغريب الذي تأصل في هذا الرجل: كتبها جميعاً على صحيفة ورق كبيرة دبسها في باطن باب القمطر الذي كان في مكتبه، وغطت الصحيفة باطن هذا الباب من أعلاه إلى أسفله فكان كلما طلب شيئاً في أسفل الصحيفة تقاصر وتقرفص، وكلما طلب شيئاً في أعلاها تطاول على أصابع رجليه وتمدد، وكان في كلتا الحالتين يركز بصره تركيزاً. ويعمله إعمالاً ليقرأ سطورها وهي خطوط دقيقة مهملة معماة.

وتزايدت التقارير فجاءت بأنباء عن حوادث للشفاء غريبة بديعة حبيبة تلذ قراءتها، ولكنها تضمنت كذلك أنباء مسيئة متجهمة تتحدث عن فواق وقيء ثم تصلب في الأرجل وتشنج في الجسم يعقبه الموت. وجاءت الأنباء الفينة بعد الفينة بموت مرضى كان يجب ألا يموتوا، وجاء موتهم عقب حقنهم بالدواء.

ألا ما أشد ما اشتغل إرليش ليفسر هذه الأحداث! ألا ما أشد ما قسى على نفسه ونحل من جسمه ليتجنب هذه الأرزاء، فما كان إرليش بالرجل الجامد الذي لا تهزه مصائب الخلق ولا تؤلمه آلام الناس، فأجرى التجارب العديدة، وكتب الكتب الكثيرة يستفسر عن تلك الرزايا كيف وقعت، وعن المحاقن كيف ضربت، وكان يجلس في الأمساء يلعب الورق

<<  <  ج:
ص:  >  >>