للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[علي ماهر باشا]

الآن وقد انفكَّ عن صاحب المقام الرفيع سلطان الحكمين: المدني والعسكري، وأصبحت الكلمة فيه للحق الخالص الذي لا يرغب ولا يرهب ولا يجامل، نحاول أن نرسم هنا ظلال الرأي الذي ارتأيناه فيه على قدر ما تسمح به حال الصحفي الأدبي الذي يواكب من جانب ويراقب من بُعْد، ولا يتصل بأولي الحكم اتصال دعاية، ولا يذوي الرأي اتصال مشايعة

لم أرى علي ماهر باشا فيما مضى من حياتي غير مرة واحدة منذ

شرين سنة في مطبعة الاعتماد حيث كان يطبع كتاباً في القانون وأنا

أطبع كتاباً في الأدب. وعلى الرغم من جلوسنا ساعة من النهار جنباً

لجنب ذلك المكان الخشن الضيق الذي كان يجمع يومئذ بين مكتب

الإدارة وصناديق الحروف، لم نتناول غير النظر الفارغ، لأنه على ما

يظهر من نفسه رزين متحفظ، وأنا على ما أعرف من نفسي حبي

منقبض

وتولى علي ماهر باشا الحكم فكان لكل أديب ولكل صحفي من رعايته عون على الجهاد والاجتهاد إلا (الرسالة)، فقد عاقبها وقسا عليها في العقاب حتى لم تنل في عهده من المعارف والداخلية إلا شيئاً يشبه الظلم إن لم يكنْه. فأنا حين أكتب عنه لم أجد في نفسيَ منه إلا ما يجده المصري الفلاح أو العامل من أثر الرجل الحكومي في عمله، ومن نتيجة العمل العمومي في حياته. وألذ الأشياء في ذوق الضمير أن نشهد شهادة الصدق في رجل لا تربطك به علاقة من العلائق الحريرية أو الحديدية

علي ماهر باشا رجل هيأته طبيعته وعقليته وعمله للمواقف الجلَّي في عهدنا المستقل الحر. تولى رياسة الحكومة في وزارة المائة يوم فكان مثلاً عالياً للحكم المناسب في النشاط الشامل والتوجيه البصير والإصلاح المبتكر والنزاهة الممكنة. وكان الغيب في هذه المدة قد تكشَّف عن طور من أطوار العرش والدستور لا يؤمَن فيه الضلال على غير الإرادة الحازمة الرشيدة، فكان من توفيق الله أن تقلد الأمر هذا الرجل العظيم في تلك الساعة العصيبة فساسه على نهج واضح مأمون من اللقانة والأمانة والقدرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>