للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سيدي رسول الله]

الأستاذ شكري فيصل

يا سيدي الرسول:

أتراني أملك منك النجوى، وأستطيع إليك البث، وابلغ من ذلك السبيل، وأنا غائب في فيض من روعتك، ذاهل في فضاء من جلالك، فإن فيّ دنيا من قدسيتك. . . أذكر دعوتك الكريمة. . . فأنساق في جمالها المشرق. . . منذ بدأتها فتى تأنف نفسه الجهل، وتعاف بصيرته التقليد، ويحس في قراءته همسات من النور، وقبسات من الحق. . . حتى أختارك الله داعياً لا يهاب، ورسولاً لا يجبن، وقائداً لا يضعف. . . واتسقُ في ذلك التاريخ. . . يغمرني ألقه الندي، وتتولاني بهجته الطروب؛ وتطالعني فيه العزمات التي لم يفل منها عدد، ولم تقو عليها عدد، ولم يبلغ إليها هدوء أو خور. . .

إن المشاعر لتختلط عليَّ. . . وإنَّ الروعة لتملأ مني كل ثنايا النفس. . . وإني لأحس الرعدة التي تكاد تصرفني عن الحديث، وتقعد بي عنه، وتغمرني بالنشوة الحالمة، فأصفو معها وأرق. . . وأخف معها وأدق. . . وأمتزج بها امتزاج الفناء. . . حتى لا أعي مكاني من الدنيا، ولا موضعي من الغرفة، ولا جواري من الناس.

يا لجلال دعوتك، يا سيدي الرسول. . . إني لأحاول أن أحدق في مشاهدها، وأجول في ثناياها، وأقف عند تفاصيلها، فإذا هذا الجلال المهيب يحول بيني وبين أن أكون من هذه المعجزة القدسية، كما نكون من أحداث التاريخ، ووقائع الأيام، نقبل عليها بالدرس، ونمضي بها في التحليل، ونفصل منها الأجزاء، ونركب عليها النتائج، ونخرج بعد وقد أدركنا منها كل ما خالطها من مؤثرات، ومازجها من عوامل، وما انكشفت عنه من اثر. . . وإذا هذا الكمال الرهيب يطغى على كياني كله، ليسكب عليه ألواناً من الروعة: أخاذة ساحرة. . . تهتز معها المشاعر اهتزازة الانفعال اللذيذ العميق. . .

هاهنا في دعوتك. . . يا سيدي الرسول. . . عالم متسق من الحق البين، والهدى الواضح، ومن السنن القويم والخلق الكريم، ومن العزمات الأبية والرجولة القوية، ومن الخير المتدفق والفضل العميم. . . ومن الجمال الذي ينساب في ذلك كله، فيفيض عليه الرداء، ويشيع فيه البهاء، ويجعل منه الحادث الفذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>