يحاول الآباء أن (يصبوا) أبناءهم في (قوالب) المجد فيبذلوا وسمعهم من جهد ومال ليحققوا هذه الأمنية المرغوبة. . . ولكن القدر. . . يقف وينظر ويبتسم! لأنه يعلم أنه المسيطر الآمر الذي يهيئ المستقبل الذي لا ينقض!
أراد الشيخ (القصبجي) الكبير أن يكون أبنه (محمد) صورة له، فيلبس العمامة، ويتثقف ثقافة دينية تهيئه للتدريس بالمدارس الأولية، فنجح إلى حد ما. . . وحصل أبنه على كفاءة التعليم الأولي وأمتهن التدريس سنة. . . ولكن القدر كان يترصد الشيخ محمد الشاب المرح الذي يعبد الموسيقى، فأنتزعه من مدرسته وقلبه بين الحرمان والفقر وغضب الوالدين، ولكنه تعلم خلال هذه المحنة كيف يتقن العزف إتقاناً عجيباً. . . هذبته السنوات العجاف وربت في نفسه رجولة قوية، وصبراً طويلاً. فتحدى الحياة، وتحدى الفقر وانتصر عليهما. . . ثم كان ما أراده القدر (القصبجي الموسيقار)
أول من خرج من الموسيقيين بتجديد (صحيح) وابتكار طريف، وأول من جرد فغير وبدل حتى أخرج للناس صوراً رائعة للموسيقى الفنية القوية
صاح في الشرق صارخاً بقطعته الخالدة (إن كنت أسامح) فعرف الناس أن في مصر صوتاً جميلاً لآنسة ترتدي العقال وتسمى (أم كلثوم). . .! وأن في مصر ملحناً شاباً يسمى (القصبجي) أنقذ (التخت) الشرقي والمصري من جموده، ونفض عنه ثوب (الملل) الذي كان يعلوه.
(إن كنت أسامح)، هذا (المنولوج) الذي لحنه من نغمة (الماهور) بشكل لم يسبقه إليه سابق، وقد بلغ من الذيوع والشهرة ما حبب الناس في الموسيقى ولفت نظر الملحنين إلى هذا الفتح الجديد. وقد بلغ من إقبال الناس على شراء هذا (المنولوج) أن باعت منه شركة أوديون مليوناً ونصفاً من الاسطوانات.
ابتدع فن التطويل والمد، وأدخل على التلاحين الشرقية لوناً (كلاسيكياً) أخذ عنه وتأثر به أكثر ملحني هذا الزمن