للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وزارة الشؤون الاجتماعية]

الفقر. . .

- ٢ -

الفقر هو العنوان الثاني في الدستور الإصلاحي لوزارة الشؤون الاجتماعية كما نقترح أن يكون. وإذا قلت الفقر فقد عنيت بهذه الحروف الثلاثة كل ما يقع في ذهن المرء وخياله وحسه من معاني البؤس والألم والأسى والجريمة والرذيلة والذلة والمسكنة والعداوة والانتقام والثورة. وأي مجتمع يتسنى له أن يلتئم أو ينتظم أو يسعد ما دامت هذه الآفات تلح عليه بالاعتلال والانحلال والوهن؟ وأنت إذا تقصيت بالنظر المتأمل أحوال الناس وأهوال الدنيا وجدت تنازع القوت هو المشكلة الأزلية للحياة، والفقر هو النكبة الأبدية على النظام، والجوع هو السبب القريب أو البعيد لكل ثورة في تاريخ الأمم وكل جريمة في حياة الأفراد. فهل في حدود الجائز إذن أن نطلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية أن تبيد الفقر وتقتل الجوع كما طلبنا إليها أن تمحو الأمية وتنسخ الجهالة؟ لا وا أسفاه! لأن شمول العلم أمر تقتضيه الفطرة وتجيزه القدرة، ولكن شمول الغني شيء تأباه الطبيعة ويمنعه العجز. وما دام الناس مختلفين في الذكاء والقوة، فلا بد أن يختلفوا كذلك في النفوذ والثروة. والتفاوت في الطبع والكفاية والحيلة والوسيلة مبدأ مقرر في الطبيعة ونظام مسلم في الدين. إنما نطلب إلى وزارتنا المصلحة أن تخفف من نوائب الفاقة وتكفكف من غوائل الجوع بتقريب المسافة بين الغني والفقر، وتنظيم العلاقة بين القوة والضعف، فإنها إن نجحت في تحقيق هذه الأملين فقد نجحت في إقرار السلام في النفوس وإحكام النظام في المجتمع

ولكن كيف تستطيع وزارة الشؤون الاجتماعية أن تخفف آلام هذه العاهة المستديمة ما دامت لا تستطيع أن تحسم أسبابها بالطّباب الناجع؟ تستطيع ذلك من طريق الدين ومن طريق التشريع ومن طريق الإدارة. فأما ما تستطيعه من طريق الدين فجبابة الزكاة وتنظيم الإحسان. وجباية الزكاة فريضة على الحكومة المسلمة، كما أن أداءها فريضة على الشعب المسلم. فلا يجوز للوزارة أن تكل أمرها لحرية الضمير وإرادة النفس، فإن طمع الناس في عاجل ثواب الدنيا أقوى من طمعهم في آجل ثواب الدين. ومن أجل أداء الزكاة كان ارتداد العرب عن الإسلام في عهد أبي بكر. إنما يجب أن تجبى الزكوات بالاضطرار كما تجبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>