لو أن الأستاذ الغمراوي قصر حديث الدين والأخلاق على الرافعي لكانت حجته أقوى، ولكنه وقع في خطأ منطقي إذ حسب أن جميع أدباء المذهب القديم قد راعوا حرمة العرف والتقاليد وآداب الدين وأخلاقه كما راعاها الرافعي. فكأن حجته مقسمة حسب التقسيم الذي يُستشهَدُ به في الخطأ المنطقي: هي أن الرافعي راعى حرمة أخلاق الدين، والرافعي من أدباء المذهب القديم، فنستنتج من ذلك أن المذهب القديم يراعي حرمة أخلاق الدين. وهذا الاستنتاج كاستنتاج من يقول: الفيل له خرطوم، والفيل حيوان، فكل حيوان إذاً له خرطوم. وقد ظهر هذا البرهان المنطقي في أكثر من مكان في مقالات الأستاذ الغمراوي ولا سيما في المقال الأخير. أنظر إلى قوله (فالمسألة في الأدب إذاً ليست مسألة لفظ ومعنى ولكنها في صميمها مسألة روح. فريق يريد أن يجعل روح الأدب روحاً شهوانياً بحتاً يتمتع صاحبه بما حرم الله وما أحل، ولا يفرق بين معروف ومنكر، ثم يصف ما لقي في ذلك من لذة وألم أو غيرهما من ألوان الشعور؛ وفريق يريد أن يحيا الحياة الفاضلة. . إن أدب الفريق الأول هو ما يسمونه الأدب الجديد. . . وأدب الفريق الثاني هو ما يسمونه بالأدب القديم. . .)
ومن الغريب أن عدد الرسالة الذي كتب فيه الأستاذ الغمراوي هذه الجملة فيه مقال للأستاذ خلاف يشير إلى كتاب يتيمة الدهر للثعالبي وإلى غيرها من كتب الأدب القديم، ونستشهد منه بالجملة الآتية:(ومنذ أن قال امرئ القيس أقواله الفاحشة في المرأة، ونظم الفرزدق وجرير الشتائم والسباب، وقال أبو نواس وبشار وأضرابهما في معاني الشذوذ والضعف الخلقي، وامتلأ العصر العباسي الثاني بالتفنن في تسجيل الصور الدنيئة من حياة الإنسان كما يتمثل في كتاب يتيمة الدهر (قاموس الأدب الداعر الوقح)؛ منذ ذلك كله تحول ذوو الطبائع الجادة إلى وجهات أخرى في الحياة غير وجهة الأدب والاشتغال بمحصوله)