فالأستاذ خلاف يثبت في مقاله أن الأدب الداعر بدأه أمير شعراء الجاهلية في مثل قوله (إذا ما بكى من خلفها. . . الخ) واستمر في عصور الإسلام إلى أن استفحل كل الاستفحال في عصر الأدب العباسي الثاني. فهل يعد الأستاذ الغمراوي أدباء هذه العصور الذين يعنيهم الأستاذ خلاف من أدباء الأدب الجديد أم من أدباء الأدب القديم؟ وهل قول الأستاذ الغمراوي (فريق يريد أن يجعل روح الأدب روحاً شهوانياً الخ الخ) ينطبق أولاً ينطبق على أدباء الأدب القديم الذين ذكرهم الأستاذ خلاف؟ وهل ينكر الأستاذ الغمراوي أنه قلما يخلو كتاب من كتب الأدب القديمة من أشياء لا يليق بالفتيات والفتيان ولا بأي إنسان أن يقرأها، وأن الأستاذ خلاف عندما ضرب الأمثلة لم يقصد أن يذكر كل ما وجد من هذا القبيل؟ إن في كتاب يتيمة الدهر أشياء لو قرئت على الأستاذ الغمراوي لوضع إصبعه في أذنه وفر وهو يقول: مرحباً بالجديد. وما رأي الأستاذ الغمراوي في شرح السيد توفيق البكري شيخ السادة البكرية، ورجل الفضل والدين لأبيات ابن الرومي التي ذكر فيها صوت يد العجان في العجين (راجع صهاريج اللؤلؤ)؟ فهل السيد توفيق البكري من أدباء المذهب الجديد؟ وما رأيه في الشيخ شريف رجل الفضل والدين ومفتش اللغة العربية في وزارة المعارف وقد شرح أرجوزة ابن الرومي التي أولها (رب غلام وجهه لا يفضحه). وليس من موبقة إلا وفي كتب الأدب القديم وصفها والافتخار بها على شكل لم يبلغه الشبان المولعون بما يسمونه (الأدب المكشوف). ومن الغريب أن الذين ينبهون الحكومة إلى سقطات هؤلاء الشبان لا ينبهونها إلى ما في كتب الأدب القديم من مخاز لا تسمح أية دولة بنشرها. راجع في الأغاني أمثال قصة إصبع بن أبي الإصبع ومطيع ابن إياس، على ما أذكر، أو سل الأستاذ خلاف عما وجد في كتاب يتيمة الدهر حتى سماه قاموس الأدب الداعر، بل خذ أي كتاب أو ديوان، خذ مثلاً ديوان أبي تمام وراجع القصيدة التي يخاطب فيها الحسن ابن سهل في قوله:
(إن أنت لم تترك السير الحثيث الخ) ولاسيما البيت الذي أوله (سبحان) في الطبعة غير المنقحة، أو خذ ديوان البحتري وانظر كيف أفحش في المجون في حضرة أمير المؤمنين المتوكل في القصيدة التي يمدحه بها وأولها (سقاني القهوة السلسل) وانظر إلى البيت الذي أوله (وقطع) فهل هؤلاء من شعراء المذهب الجديد؟ وهل أمير المؤمنين المتوكل من أدباء