تناول الكاتب الكبير (جان نوروا) في هدأة من الليل، في غرفة عمله المنعزلة، الكتاب الذي وقع تحت يده وفتحه، فالتقت نظراته بهذه الجملة:
(. . . عندئذ أمطر الله من السموات على سدوم وعمورة الكبريت والنيران. . .
ولكن امرأة نوح نظرت خلفها، فانقلبت في الحال تمثالاً من الحجر. . .)
فقرأها، ثم أغلق الكتاب المقدس
لقد كان هذا مع خياله الواسع، نقطة ابتداء كافية جداً. . . لقد وجد قصته. لم يبق إلا أن يسكبها في قالب جديد. ولفت نظره، في جريدة بجانبه، هذا العنوان الضخم:
(انتحار شاب في مطعم ليلي)
فقرأه وابتسم. . . لقد تم له ما يريد، وتألفت القصة. ليس هناك حاجة إلى النظر في أعمدة الجريدة. لقد كان بطله ماثلاً أمامه، يراه بوضوح: فتى ممشوق القد، في العشرين من سنه، أحرقته حمى حب ملتهب، ولم تكن لديه الشجاعة الكافية للفرار فهلك. وما الفائدة من الاطلاع على التفاصيل التي توصل إليها مخبر الصحيفة؟ لقد كانت عناصر الموضوع وتفاصيله التي تبعث فيه الحياة، كانت تتجمع لديه شيئاً فشيئاً: المرأة الأفاقة، والفتى الضحية. . . وأخيراً الحكيم الذي تجده في كل قصة (صورة المؤلف ذاته)
كان جان نوروا يحس لذة فائقة في هذا التلاعب. ولكن كان يخيل إليه أن الكلمات والحوادث تأتيه هذه المرة بأسرع وأحسن من كل يوم.
وانقبض صدره فجاءة. لماذا تسيل الكلمات بهذه السهولة على ريشته هذا المساء؟
وتذكر أن هذه الكلمات ذاتها خرجت من بين شفتيه قبل الآن. . . ومنذ وقت قريب. . . على أثر مأساة كادت تزعزع كيانه
وأخذ يفتش، كالمحموم، بين أوراقه المبعثرة على المكتب. . .
وكان يتمتم:(مستحيل! ليس من الممكن أن يكون (هو) قد وصل)
و (هو) كان ولده الذي تبناه، موريس لا ندري، ابن أعز أصدقائه عليه. شاب حدث، قاد