نفخ الطيب: قال الحجاري صاحب (المسهب في إخبار المغرب):
كنت كثيراً ما أستشكل هذه التسمية لما قال غير واحد أن (المسهب) إنما هو بفتح الهاء. والفقرة الثانية وهي المغرب تقتضي أن يكون بكسر الهاء. ولم يزل ذلك بتردد في خاطري إلى أن وقفت على سؤال في ذلك رفعه المعتمد بن عباد سلطان الأندلس إلى الفقيه الأستاذ أبي الحجاج يوسف بن سليمان النحوي الشنتمري المشهور بالأعلم، ونص السؤال:
(سألك - أبقاك الله - الوزير الكاتب أبو عمرو بن غطمش - سلمه الله - عن (المسهب) وزعم أنك تقول بالفتح والكسر، والذي ذكره ابن قتيبة في أدب الكتاب والزبيدي في مختصر العين (أسهب الرجل فهو مسهب إذا أكثر الكلام بالفتح خاصة) فبين لي - أبقاك الله تعالى - ما نعتقد فيه، وإلى أي كتاب تسند القولين لأقف على صحة من ذلك).
فأجابه:(وصل إلى - أدام تعالى توفيقك - هذا السؤال العزيز، ووقفت على ما تضمنه، والذي أحفظه وأعتقده أن (المسهب) بالفتح المكثر في غير صواب وأن المسهب، بالكسر البليغ المكثر في الصواب، إلا إني لا أسند ذلك إلى كتاب بعينه ولكني أذكره عن أبي علي البغدادي عن كتاب (البارع) أو غيره معلقاً في عدة نسخ من كتاب (البيان والتبيين) على بين في صدره لمكي بن سوادة:
حصر مسهب جريء جبان ... خير عي الرجال عي السكوت
والمعلقة:(تقول العرب أسهب الرجل فهو مسهب وأحصن فهو محصن وألفج فهو ملفج إذا أفتقر، قال الخليل: يقال: رجل مسهب ومسهب، قال أبو علي: أسهب الرجل فهو مسهب إذا أكثر في غير صواب، وأسهب فهو مسهب بالكسر إذا أكثر وأصاب، قال أبو عبيدة: أسهب الرجل فهو مسهب إذا أكثر من خرف وتلف ذهن، وقال أبو عبيد عن الأصمعي: أسهب الرجل فهو مسهب الرجل فهو مسهب بالفتح إذا خرف وأهتر. . .) انتهت المعلقة. فرأى مملوكك - أيدك الله تعالى - واعتقاده أن المسهب بالفتح لا يوصف به الباليغ المحسن ولا المكثر المصيب، ألا ترى إلى قول الشاعر (حصر مسهب) أنه قرن في المسهب بالحصر