للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جولة بين أطلال بومبي]

للأديب حسين شوقي

كانت بومبي المدينة التي يقصدها سراة روما وعظماؤها للمتعة واللهو، لما توافر فيها من أسباب ذلك، كما يقصد اليوم المترفون من الغربيين ساحل الرفييرا الساحر. . .

وقد يرى المتجول بين أطلال بومبي آثار الطريق التي كانت تصل روما - حاضرة الدولة الرومانية العظيمة - ببومبي. . .

وبومبي اليوم تبعد كيلو مترات قليلة عن البحر، أما في زمانها الغابر فقد كانت تشرف على البحر، كما كانت ترسى في مينائها يخوت أقيال الرومان الأنيقة.

وبومبي التي لم يزد عدد سكانها على خمسة وعشرين ألف نسمة، كان فيها من المسارح والحانات والحمامات العامة وأماكن المصارعة ما يجذب النفس ويستهوي الفؤاد. . .

وكل ذلك باق أكثره على رغم الزلزالين الكبيرين اللذين منيت بهما بومبي من عشرين قرنا خلت. . .

وما اجمل الدور التي شيدها سراة روما في بومبي ليخلوا إليها في أوقات فراغهم للهو اللعب، وقد حليت أرضها وسماؤها بالفسيفساء الملون الرائع، وبالصور الزيتية الجميلة، المنقولة عن الاساطير، وقد شيد أكثر هذه الدور على طراز خليط من الطرازين الروماني والإغريقي. . . لأن الرومان اعجبوا بالحضارة اليونانية، فنقلوا منها إلى بلادهم فنونها، وآدابها، وديانتها. .! وقد بلغ إعجاب القيصر نيرون بالإغريق انه تعلم لغتهم فأتقنها، وكان يشجيه أن يغني بها، وقد وهب صوتاً رخيماً. . .

وقد شيدت هذه الدور على النظام الآتي: باب ضخم على الشارع، يلج منه الزائر إلى دهليز ضيق يوصل إلى فناء فسيح ليس له سقف، سوى سماء نابولي الصافية الزرقاء، وقد زين هذا الفناء بالأزهار النادرة، كما حلى بالتماثيل المرمرية الجملية التي تمثل الآلهة، وبعض هذه التماثيل لا يزال قائما في مكانه وبعضه هدمته الزلازل، والبعض الآخر نقل إلى متحف نابولي. . .

وفي وسط هذا الفناء تقوم نافورة من المرمر، يتفجر منها الماء عذبا سلسالا. . .

وحول جنبات هذا الفناء بنيت حجر الدار، وقد بلغت عناية القوم بأولادهم انهم أنشئوا لهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>