للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حبيشة]

- ١ -

عذراء، فاتنة، ناطقة الملامح، تبسم عن ثغر نقي مؤشر. فوهاء ولكن جمالها في ذلك الفوه. حوراء، تتراءى نفسها اللطيفة رقصة في عينيها، ما تلقى عليها نظرة إلا ثبتت في قلبك بصورتها المرحة، وبسمتها الوادعة، مأنقة في ملبسها من غير تبرج، متألقة في خفرها بلا تكلف،

وكانت فتاتنا في ريعان شبابها، بدأ عودها يثمر، وأخذت حركتها تنتظم، ونظرتها تستقر ونغمتها تلين. قضت أيام طفولتها ترعى البهم، وكانت محبوبة من لداتها وصواحبها، مشهورة المواهب بينهم، يتهافتون على صحبتها ويجمعون على مودتها، ويقنعون منها بكلمة طيبة أو بسمة عذبة. وكان لابد للطفولة من نهاية، وقعدت في بيتها تاركة رعيتها للصغار من اخوتها وابتدأت حياة جديدة.

- ٢ -

أنبأت (عبد الله) أمه برغبتها في زيارة بيت من حيها. وكان غلاما يفعه، فاستبان وجهتها وإذا به بيت (حبيشة) رفيقة صباه فوثبت صورتها توا إلى مخيلته، وبدا وجهها الطلق يناديه وصوتها العذب يناغيه. فدعاها لأن تتريث حتى يمضي معها، ليكسر عنها كلاب الحي الضارية وأكبرت الأم شهامة فتاها، وحستها عاطفة حقاً لأمومتها. فرجل جمته، وطيب ثيابه، ومشى يختال كالطاووس، ويترنح كالعروس، ومن مثله سيقدم على وجه صبيح طالما انتظر لحظات رؤيته؟ والآن قد أمكنته الفرصة. نعم سيراها، وفي بيتها، وتحت رقبة أهلها، ويشبع نفسه من حسنها فيروي قفره، ويبل صداه.

دخل عليها، وشد على يديها، ونظر نظرة فيها، فإذا هي غيرها بالأمس، جمال يتولد ومحاسن لا تنفد.

تحمل الفتى بسهامها، وخرج من دارها، تحدثه أمه فيغمغم، يهيم في مهامه فكره، قد أطرق برأسه وشرق بنفسه، وبعد حين زفر كالمهجور، وانتظمت أنفاسه كلمات خافتة خاشعة.

وما أدري، بلى إني لأدري ... أصوب القطر أحسن أم حبيش؟

حبيشة والذي خلق الهدايا ... وما عن بعدها للصب عيش

<<  <  ج:
ص:  >  >>