للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بمناسبة إشراق دولة الفاروق الجديدة]

لمحات من شمس الأمس الغاربة

السلطان الغوري ومفاوضاته الدولية

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

تستقبل مصر اليوم عهدها الجديد المشرق بتولية مليكها المحبوب الذي يتربع فوق عرش القلوب ويحكم شعبه عن ولاء ثابت له في حنايا الصدور. وعهد الفاروق وإن كان جديداً ناضراً يستأنف عهود المجد السابقة ويسترجع آيات العلا الغاربة فقد كانت مصر أبدا واسطة عقد الدول وجوهرة تاج المدنية.

وإن لعهدنا الحاضر معنى خاصا في تاريخ البلاد، ونحن إذ نحتفل في هذين اليومين بتتويج مليكنا المحبوب فإنا نشهد يوما من أكبر أيام مصر وأعظمها دلالة وأحفلها ببواعث الفخر والاعتبار والسرور، وذلك لأن عهد الفاروق الجديد أول عهد يخفق فيه على مصر علم الاستقلال بعد فترة سلب الدهر منها علمها ونزع عنها تاجها. ونود هنا أن نتخطى القرون الماضية التي شهدت تلك المأساة فنطفر إلى آخر عهد كان فيها ذلك العلم عالياً مكرماً عزيزاً، لنذكر في نشوة السرور الحاضرة بعض ما كان لبلادنا من العز الغابر لنحس بالنشوتين معا نشوة الأمل الطالع ونشوة ذكرى المجد التالد.

كان قانصوه الغوري آخر السلاطين العظماء الذين حكموا مصر منذ انقرضت دولة الأيوبيين في مصر فتعاقبوا على حكمها نحو ثلاثة قرون كانت مصر فيها أقوى أمم الشرق والغرب وتبسط سلطانها على الشام والنوبة ويمتد نفوذها في البحر حتى قبرص وتدين لها بلاد الشرق قاطبة بالزعامة وتتقرب إليها دول الغرب قاطبة لابتغاء ما عندها من كنوز التجارة ولتخطب مودتها في السلم ولتتقي عدواتها في الحرب، وكانت مع كل ذلك قلب المدنية التي تكدست فيها آثار العلم والفن والصناعة التي بلغتها الإنسانية إلى ذلك الوقت

تولى قانصوه في مارس سنة ١٥٠١ وهو جركسي الأصل. نشأ في بيت الملك الأشرف قايتباي العظيم ومازال حتى صار أميراً من أمراء الجيش ووكلت إليه قيادة فرق الحدود المصرية في طرسوس وكليكية وملطية. فلما مات قايتباي اختاره الملك الناصر ابنه لرياسة

<<  <  ج:
ص:  >  >>