للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمراء حلب وصار من كبار الأمراء الذين كان يقود كل منهم ألف فارس في الحرب، وكانوا لذلك يسمون (مقدمي الألوف)؛ وبلغ بعد ذلك إلى أكبر مراتب الدولة فأصبح دوادارا ثم وزيراً. وحدثت عقب ذلك أحداث جعلت الناس يتطلعون إليه ليجعلوه سلطاناً. ولم يرض بذلك في أول الأمر إذ كان يؤثر أن يكون أحد كبار الأمراء حتى لا يتعرض للمسئولية الجسيمة التي يتطلبها تبوء العرش. ولكن كبار الأمراء اضطروه إلى قبول التاج اضطراراً حتى قيل إنه بكى عندما عجز عن مقاومتهم ونزل مرتين عن الجواد الذي أركبوه إياه ليسروا به إلى القلعة ليحتفلوا بتوليته السلطنة بها

ولي الغوري عرش مصر ولقب بالملك الأشرف أبي النصر. وسار في القاهرة عقب ذلك في موكب حافل يحف به الأمراء وجنود الجيش المظفر، وكان يلبس الخلعة الرسمية التي كانت عادة السلاطين أن يلبسوها وهي الخلعة التي أهداها الخليفة العباسي إلى السلطان العظيم بيبارس من قبل منذ نيف وقرنين عندما انتقلت الخلافة العباسية إلى القاهرة عقب تحطيم التتار بغداد وقضائهم على الحكم العباسي بها.

سار السلطان قانصوه في ذلك الموكب يلبس تلك الخلعة وهي عبارة عن جبة سوداء وعمامة سوداء وطوق من الذهب حول العنق وسيف بدوي متدل من حمائله، وحملت على رأسه المظلة الرسمية التي يعلوها رسم طير من الفضة المذهبة. وكان عمره عند ذلك نحو الستين وله لحية ضرب فيها البياض، وهو بدين أسمر اللون واسع العينين.

وكانت مصر في أيامه مركز حركة سياسية متصلة لا تنقطع لأن أحوال العالم في وقته كانت تؤذن بشر انقلاب عرفه التاريخ الحديث

كانت أسبانيا قد تمكنت من طرد العرب من غرناطة، ولم تكد مصر تفيق من تلك الهزة حتى سمعت بأن دولة أخرى مجاورة وهي البرتغال قد عرفت طريقاً إلى الشرق تسير فيه السفن من بلادها إلى الهند مباشرة عن طريق البحر حول رأس الرجاء، وكانت بلاد العالم كله تتطلع إلى مصر لتنظر ما هي فاعلة في هذين الحادثين وتترقب سير هؤلاء البحارة الذين هاجموا بحار الشرق ليروا أيستطيعون أن ينفذوا الحلم الذي تصوروه في محاولة القضاء على تجارة مصر. وكانت مدن أوربا المطلة على البحر الأبيض المتوسط كالبندقية تقف عند ذلك مشدوهة تنظر تارة إلى مصر وتارة إلى شبه جزيرة الأندلس، وهي تحاول

<<  <  ج:
ص:  >  >>