كثر الحديث في الأسبوع الماضي عن (ماري أنطوانيت) والثورة الفرنسية، لأن داراً من دور الصور المتحركة عرضت حياة هذه الملكة المنكوية في صورة قريبة إلى التاريخ ولكنها أقرب إلى الفن والتصرف الذي يقتضيه في بعض المناظر. وشهدت هذه الرواية التاريخية فأيقنت من براعة تمثيلها وعرضها أنها قد جعلت الثورة الفرنسية ذكرى حياة لمن شهدوها كأنهم قد عاشوا في أيامها وتقلبوا بين تقلباتها وطبعوا في إخلادهم بعض حوادثها. وأعانهم على ذلك أن حقائق التاريخ ملتزمة في مسائلها الجوهرية أحسن التزام مستطاع، وأنها معروضة على مثال نفسي لا على مثال اجتماعي أو علمي يقصر الأمر على التأمل والتدبر ولا ينفذ به إلى معترك العاطفة والإحساس
قال (ستيفان زفيج) أكبر كتاب السير المعاصرين فيما مهد به لسيرة (ماري أنطوانيت) إن: (الفاجعة التاريخية) تقوم على البطولة أو على أناس من جبابرة النفوس والعقول. فإن لم تكن كذلك فهي تقوم على (إنسان عادي) يتعرض للأحداث الجسام التي تفوقه في الكبر والضخامة وتجعله عظيما بما يحيط به من أقدار عظيمة وإحن لا طاقة له باتقائها ولا بالخلاص منها بعد وقوعها
ولم تكن ماري أنطوانيت من معدن البطولة والجبروت، ولكنها كانت امرأة من الطراز الوسط في الذكاء والمزاج والأخلاق، تحب سهولة الحياة ولا تشغل بالها بالفوادح والمشكلات. فلما أحاطت بها الفوادح والمشكلات على الرغم منها ظهرت (الفاجعة التاريخية) على نمط يشبه فواجع الأبطال والجبابرة، من غير بطولة ولا جبروت
والرأي عندنا أن (الفاجعة الكبرى) تهز النفس هزاً عنيفاً في حالتين اثنتين: إحداهما حالة البطولة والجبروت التي أشار إليها ستيفان زفيج، والثانية حالة الإنسان العادي الذي تمتحنه الأحداث في كل جانب من جوانب نفسه فلا تدع له حاسبة بعيدة من سلطانها غير مجروفة في دوافق تيارها. وكذلك كانت فاجعة التاريخ التي أحاطت بماري أنطوانيت
كانت ملكة وزوجة وأما ومحبة وامرأة من بنات آدم وحواء كسائر النساء. فما تركت لها الأحداث جانباً من هذه الجوانب إلا استغرقته وطغت عليه: امتحنت منها الملكة في دولتها