والتمس البائس السبيل إلى العمل بالفكر وباليد فلم يوفق. وأوشك أن ينفذ ثمن الحلية الأخيرة من حلي أمه؛ وخشي أن يختم الموت على الأفواه الثمانية الذابلة، فتقدم إلى العمل (فاعلاً) في عمارة تبنى، فرده (المقاول) لرقة جسمه ودقة عظمه!
فانكفأ الطريد بالفشل والخجل إلى أسرته اليائسة الولهى؛ وباتوا جميعاً على الطوى والجوى يخلطون البكاء بالبكاء، ويَصِلون الدعاء بالدعاء، حتى سمعوا أن كلية الطب تطلب فراشين، فتقدم صاحب الشهادة مع صاحب المكنسة، وأمله كله ألا يُذاد عن هذا الملجأ الأخير!
وهاهو ذا الآن في قسم الكيمياء ينظف لرفاقه في الدراسة المقاعد والمناضد بأجرة في الشهر مقدارها مائة وأربعون قرشاً يحفظ بها أربعة أَعراض وثمانية أرواح! ولعله بفضل ما تعلّم من المعادلات واللوغاريتمات لا يتعب كثيراً في حساب هذا الدخل!