للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصر في خاتمة القرن السابع عشر]

كما رآها العلامة عبد الغني النابلسي

للأستاذ محمد عبد الله عنان

ليس في تاريخ مصر الإسلامية أغمض من العصر التركي بل نستطيع أن نقول إن ليل الإسلام وليل الأمم العربية والإسلامية كلها يبتدئ بابتداء العصر التركي. وبينما نرى تاريخ مصر الإسلامية زاهراً وضاء قبل الفتح التركي إذا الستار كثيف من الغموض والظلمات ينسدل من بعده على هذه العصور المجيدة، وإذا بالانحلال والفساد والفوضى تغمر ذلك المجتمع الزاهر الذي لبث قروناً يسطع خلال العصور الوسطى؛ وفي هذه المرحلة الغامضة المؤسية من تاريخ مصر لا نظفر بكثير من المواد أو المصادر التي تلقي كبير ضوء على المجتمع المصري، ولا يدون المؤرخ غير تعاقب الولاة الترك ولا يكاد يروي لنا شيئا من الأحداث العظيمة أو الحوادث الشائقة، اللهم إلا في أواخر هذا العصر، حينما تستيقظ الحركة القومية المصرية من سباتها الطويل، وينزع الزعماء المماليك إلى تحطيم نير الأجنبي، ثم تمهد الحملة الفرنسية لانهيار الحكم التركي، وبزوغ العصر الجديد.

بيد أننا نستطيع أن نتتبع أحوال المجتمع المصري في تلك المرحلة على يد جمهور من الأدباء والرحل الذين وفدوا على مصر في تلك العصور سواء من الشرق أو الغرب. وقد انتهت إلينا طائفة من مشاهداتهم التي دونوها في رحلاتهم، وهي وثائق لها قيمتها في الكشف عن بعض نواحي المجتمع المصري في هذا العصر؛ ثم هنالك أنفس آثار هذه المرحلة إطلاقا، وهي مذكرات الجبرتي التي تلقي أعظم ضياء على تاريخ مصر والمجتمع المصري في القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر.

وقد رأينا أن نستعرض مشاهدات أولئك الرحل كلما سنحت الفرص، وأن نستخرج من آثارهم ما يفيد في تعرف أحوال المجتمع المصري في تلك المرحلة، وسنبدأ اليوم باستعراض رحلة علامة وأديب دمشقي وفد على مصر في خاتمة القرن السابع عشر، وترك لنا عن رحلته بمصر أثراً يدون به بعض الملاحظات المفيدة عن المجتمع المصري في ذلك العصر.

ذلك الرحالة هو الفقيه والعلامة الصوفي الشهير عبد الغني النابلسي، وهو شخصية غريبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>