واختلال نظام الحياة في الجسم مدعاة كبرى لاختلال نظام الحياة في الروح لشدة تلازمهما بشدة امتزاجهما، فإذا كان لمحيطك جزء فيك ولك فيه مثل ذلك بصحبتك إياه زمنا ما، فما قولك بصحبة الروح للجسم أزمانا يقصر العقل دون حدها؟
ولا تنس أنك وأنت تلحظ ما يدفعك اليها مستعرضا ما يحف بها من هذه العوامل، أنك جد عاجز عن لحاظ ما يردعك عنها من مرجحات العفاف.
وهكذا تراك، وأنت تلحظ مرجحات الفعل قاصراً بطبعك أن تلحظ مرجحات الترك، ضرورة أنه يستحيل على المرء أن يفكر في أمرين في وقت واحد فيجمع بين النقيضين، فاحفظ هذه لترجع اليها قريبا.
فالذي يدفعك إلى هذا العمل أو سواه من وراء الإرادة لقوة عوامل الدفع من الخارج في نفسك، والذي يردعك عنه لقوة نقيضها من عوامل الردع، والذي تستعرض به هذه العوامل أو غيرها في المجتمع، والذي يميز هذه الخواطر وهو يتصفحها فيفاضل بينها، والذي يخزنها في إحدى زوايا النفس أو يطبعها على صفحات القلب، والذي يستخرجها عند مسيس الحاجة إليها ويبحث عنها فيما إذا خفيت وراء الضمير، والذي يدرس بها الحوادث الخارجية درساً يستحيل مَلكَة في النفس تعصمها عن الزلل في الحياة، والذي تحس به ما تمسك إليه الحاجة في نفسك أو في بدنك، والذي يلهب جسمك تصوره ويحدم صدرك بما يتأثر به من عامل، والذي يزاوج بين محسوساتك فيستخرج من الحقيقة خيالا عن طريق الإبداع في التصوير، كل ذلك واحد لا تتعدد حقيقته، وجزئي فيك من ذلك المعنى الكلي تتعدد أسماؤه بما يتكيّف به من شكل ولون خارجيتين
فإذا استعرض الحوادث وحاكم بينها ليميز حسنها من قبيحها كان فكراً، وإذا حملك على فعل الحسن لقوة ما يحفه من عامل خارجي كان عقلا. وإذا دفع بك إلى اقتراف الإثم لما تحصّل عنده من ترجيح بسبب ما يحفه من عامل كان هوى، فإذا خزن ما يمر به من خواطر في إحدى زوايا النفس سمي حافظة، ثم إذا هو استخرجها بعد حين أو راح يبحث عنها سمي ذاكرة