وإذا درست به الحوادث فربى فيك ملكه الاستنباط سمى حذقاً ودهاء، وهكذا قد تتصور به مباشرة أو عن طريق حواسك ما تنفعل به نفسك فينتج سروراً أو حزناً ينتجان لذة أو ألما فتدعو ما ينتج عنه عاطفة.
وقد يبدع في التصوير أو يتصور مرغما بدافع الوهم الخارجي فيعطيك على طريق العبث بالحياة أو الخطأ في التصور صورا خيالية ينتزعها من الحقيقة فتسميه خيالا أو وهماً
فالعقل والفكر والحذق والحافظة والذهن والفطنة والذكاء والحلم والهوى النفس الأمارة بالسوء والشيطان، كل ذلك مصدر، واحد لهذا العمل الخارجي، يتلون بالعوامل التي تحف بالعمل محسنه ومقبحه، يلبس لكل مؤثر لونا غير لونه مع مؤثر آخر، ويدعى معه باسم كان قد دعي مع غيره باسم آخر
أما استلزامه في الدين حكم الجبر فذلك مما أرجحه، والدين إنما كان لتربية المجتمع تدريجا ليستحيل الهوى فيه عقلا، ويحول المثل الأدنى فيه مثلا أعلى بحكم التطور، إذ الخصائص النفسية بعد الإرادة غرائز تكونت من الكسب الاجتماعي، والجبر لا مناص منه قبل هذه الاستحالة وبعدها، فالمرء مع الهوى المطلق مجبر على كونه شيطانا، ومع العقل المطلق مجبر على كونه ملكا.
فعلى هذا يكون مناط المثل الأعلى والمثل الأدنى في المرء واحدا ولكنه باعتبارين مختلفين، ولا عجب في ذلك فالمرء يجمع الأضداد، فبينما هو الحليم الرزين في حالة، إذا هو الأحمق الطائش في حالة أخرى، وبينما هو الشجاع المقدام في مشهد، إذا هو الجبان الرعديد في مشهد آخر، فليس ذلك ناشئا فيه إلا بفضل هذا السر الغامض الكامن في نفسه المتلونة. وربما استقام لنا أن نخص المثل الأعلى بالعقل، ونعزو المثل الأدنى للإرادة، إنما لابد لنا ونحن نمشي مع رغباتنا إلى العمل السيء بعد المحاكمة العقلية وثبوت قبح هذا العمل لدى العقل أن نتساءل أين ذهب عنا ما نسميه عقلا فلا نحصله إذ ذاك إلا بعد أن نلتفت إليه؟
فما هو هذا الذي نلتفت به إلى العقل؟
هل هي الإرادة وهي التي تدفعنا؟
ثم أين يكون العقل ونحن في انغماس بما تحملنا الإرادة على الخوض فيه خلاف العقل؟