للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معاوية بين يدي عائشة]

للأستاذ سعيد الأفغاني

الشورى أساس من أسس الحكم في الإسلام، فكلما كان حظ الحكم منها أوفى كان أقرب إلى روح الإسلام. والحاكم الأعلى في العرف الإسلامي أجير للناس كافة: يسهر على مصالحهم ويمضي أحكام الشرع ويستوفي أجره من بيت ما لهم وليس يملك من الأمر غير ذلك.

انقضى عهد الراشدين وفهم أجلاء الصحابة ورؤوس الناس للحكم هذا الفهم؛ فلما اتفق أن ولي الخليفة عثمان رضي الله عنه بعض الأكفياء من أقربائه أعمالا، أعظم الناس ذلك وخافوا أن تصير مصالحهم العامة حكرة لأحد أياً كان أو وقفاً على أسرة أية كانت، ففشت القالة في عثمان وكان هذا أول الشر الذي أودى بخلافته.

أما معاوية، فإن أربعين عاماً سلخها في حكم الشام إلى جوار إمبراطورية الرومان وفي ديارهم القديمة، قد انحرفت به عن الجادة في أمر الحكم، فلم يسلك به الطريق الإسلامي الذي رأينا أساليب مختلفة له في عهد الراشدين، وإنما سلك به طريقاً (بيزانطياً) وأراد الخلافة أسلوباً ملكياً على أساس بيزنطة، وانتوى لها نية فطفق يتألف لها الناس ويهيئ لها الأمور. . . فلما وجد الأحوال مواتية أعلنها بيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد.

ولم يفعل ذلك معاوية حتى سبر أغوار الأمصار وطباع الناس؛ وكانت قد استلانت واستكانت مدة عشرين عاماً بسبب سياسته وسياسة ولاته الحازمين الأشداء. نعم لقد استكانت إلى الطاعة، حتى من يجيش حمية من رؤوس الناس وأحرارهم، روض معاوية إياهم وأنفتهم بلطفه وعطائه الجم حتى أسلسوا القيادة، أما من لم يسلس له فقد جعله جزر السيوف كما فعل في أمر حجر بن عدي وأصحابه. هذا وقد حصد الموت مدة أربعين سنة أكثر الصحابة وزعماء الجماهير ممن يهابهم معاوية.

مع كل ذلك، لم يخل إعلان البيعة ليزيد من صدمة للنفوس عامة، فأكثرها وقف ثم رضى بالقدر المحتم، وبعضها أنكر ورفع عقيرته بالإنكار.

أما السيدة عائشة فقد لزمت بيتها وسكينتها، وأنا أقطع أنها جاهدت نفسها بهذه السكينة أعظم الجهاد، وكبتتها أعظم الكبت وكظمت غيظاً ما كانت لتكظمه. فما كان هذا الأمر بالأمر الحقير، إنه أعظم ما مر بالسيدة من خروج على الإسلام وتنكر لروحه؛ ولكنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>