للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذكرى يوم الجمل والدماء المهراقة فيه، الدماء دائماً هي الشبح الذي يلوح لعائشة كلما همت بإنكار منكر فترعد فرائصها وتستجير بالله من كل خير يؤدي إلى شر.

لكن أعوان معاوية فاتهم اللطف في تأتيهم لهذا الخرق لحرمة الخلافة، ولم يدركوا ما فيه من كسر لحرية ألفها العرب وشورى يتعبدون بها، ونظم سامية تجري منهم مجرى الدم من العروق. ظن أعوان معاوية أن البيعة ليزيد أمر من هذه الأمور الكثيرة التي يرد بها البريد فتعلق للناس وتنفذ في يسر وصمت. . . مما لا يصدم عقيدة ولا يجافي روحاً ولا يكسر تقاليد أصيلة ولا يذل أنفة قومية.

أرسل معاوية أمره إلى الأمصار بأخذ البيعة لابنه يزيد من بعده، فوقف عامله على المدينة مروان بن الحكم يعلن هذه البيعة على منبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فكان إنكار الناس لها واحداً، وكان متكلمهم عبد الرحمن بن أبي بكر أخو السيدة عائشة، فقد رد على مروان قائلاً:

(كذبت والله يا مروان وكذب معاوية معك، لا يكون ذلك. لا تحدثوا علينا سنة الروم: (كلما مات هرقل قام مكانه هرقل)، (لقد جئتم بها هرقلية وقوقية؛ تبايعون لأبنائكم؟)

قال مروان: (سنة أبي بكر وعمر).

عبد الرحمن: (بل سنة هرقل وقيصر)، (ما لأبي بكر لم يستخلفني؟ وما لعمر لم يستخلف عبد الله؟).

واشتد الغضب والحنق بمروان فقال:

- يا أيها الناس، إن هذا الذي قال الله فيه: (والذي قال لوالديه: أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله: ويلك آمن، إن وعد الله حق، فيقول: ما هذا إلا أساطير الأولين).

حينئذ، فرغ صبر عائشة وهي تسمع من حجرتها بالمسجد، وقد رأت أن عبث مروان تطاول إلى القرآن، فغضبت وقالت لمن حولها: (ألا بن الصديق يقول هذا؟؟ استروني) فستروها فجهرت ورددت جوانب المسجد صوتها قائلة:

- كذبت والله يا مروان، ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته؛ إن ذلك رجل معروف نسبه. . . ولكن (رسول) الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت قضض (قطعة) من لعنة الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>