سألني (متألم) على صفحات الرسالة، فقال انه مدرس أديب يتذوق القراءة، ويهوى الاطلاع، ولكنه أصيب منذ عام بداء يقطع عليه سبيل هذه اللذة العقلية، وهو (النوم) حين يشرع في مطالعة كتاب أو صحيفة.
وقد فرحت بهذا السؤال، لأني وجدت شخصاً يحب القراءة ويجد في الاطلاع لذة، وقد طال العهد - في الزمن السابق - بمن كانوا يلتمسون اللذة في المتع الرخيصة المبتذلة. ومقياس رقي الأمم اخذ أهلها ب الأدب الرفيع، والإقبال على ارتشاف العلم، ودوام النظر في صفحات الكتب، والاستماع إلى حلقات الدرس والمحاضرة، مما لم يكن معهوداً في العهد السابق، أو مألوفاً في سياسة الملك السابق، بل كان العهد عهد إسفاف، تنتشر فيه الخلاعة والتهتك، ويقبل الناس مع ملكهم على الإثم والفجور.
وآية ذلك هذه الصحافة الصفراء التي كان همها أن تطلع على القراء بالسيرة المفضوحة، وأخبار (الطبقة الراقية) في حلبات الرقص وميادين السباق وموائد الميسر وعلى شواطئ البحار، مع عرض صورهن في ثياب تكشف عن الفتنة وتبتعد عن الحشمة.
وأصبحت عناية الصحف والمجلات نشر الصور للممثلات وهن شبه عاريات، وتسابقت جميعاً في هذا المضمار تنشد اجتذاب الشباب بالفتنة، واستهواء الشيوخ بالخلاعة، وتوجيه العواطف وجهة دنيئة، والتلاعب بالغرائز الجنسية تبعثها وتثيرها من مكامنها. فأصبح القارئ العفيف كأنه راهب انقطع في الصحراء، أو سابح ضد تيار الماء.
وكان التيار جارفا يحمل المجتمع نحو الأغلال والفساد، ويبتعد به عن الجد والوقار. فإذاأخذ أحدنا بسبيل الجد والمثالية شعر كأنه غريب عن المجتمع الذي يعيش فيه. ولعل عزوف (المتألم) عن القراءة راجع أي شعوره بالانفصال عن الجماعة حين يقبل على القراءة والاطلاع.
قد يقول قائل، ولكن صاحب السؤال يحتاط للأمر ويقرر أنه يهوى القراءة ويشتاقها ويرغب فيها، فكيف تزعم أنه غير راغب فيها، وأن ميله إلى النوم دليل على صدوفه عنها؟