أرسل إلى الأديب عبد القادر محمود الذي عرف نفسه إلي بأنه (أحد الكتاب المحدثين) مقالاً عن السعادة مشفوعاً بخطاب يرجوني فيه (أن أصغي إلى حديثه قليلاً ثم أرد على صفحات الرسالة الغراء بما يروى ظمأه ويرشده إلى الحق إن كان قد حاد عن سبيله).
وخلاصة مقال الأديب أن السعادة وهم ليس له وجود، وأن بعض الأشقياء مطبوعون على الشقاء فهم به سعداء، وأن كل ما يقال عن السعادة إعادة لما قيل.
ويسألني الأديب بعد ذلك ماذا أقول؟
فلا أدري هل سأعيد قديماً بما أنا قائل في هذه الصحيفة، أو أنني مسوّغ هذه الإعادة بتصوير طريف.
ولكني لا أحسب الكاتب مطالباً باختراع الآراء التي لم يسبق إليها، ولا أرى عليه من غضاضة أن يبدي رأياً تقدم أصحاب الآراء بإبداء مثله، وإنما الشرط أن يصدر عن تجربة، وأن يروى عن خيرة، وأن يكون لكلامه لون من نفسه وحسه وتفكيره، ولا عليه بعد ذلك أن يتشابه ما يقول وما كان قد قيل.
والسعادة في رأيي لا استحالة فيها إلا كالاستحالة في كل مطلب من مطالب هذه الدنيا.
فأنت إذا أرت كسوة جميلة في نسجها ولونها وتفصيلها وثمنها ومتانتها وجدتها حيث توجد الكثيرات من أمثالها.
أما إذا أردت كسوة هي المثل الأعلى الذي لا يعلى عليه ولا يجاري في جمال النسج وجمال اللون وجمال التفصيل وسهولة الثمن وطول البقاء فقد أردت المستحيل، لأنك أردت المثل الأعلى الذي ليس له مثيل، وهو بطبيعته فوق ما ينال.
والسعادة إن أردتها سعادة لذات معهودات فأنت واجدها لا محالة في وقت من الأوقات.
أما إن أردتها سعادة العمر أو سعادة في كل شيء لا نظير له ولا انقطاع لها فتلك هي الاستحالة التي تنفرد بها السعادة، ولا فرق بين تعذرها وتعذر كل مطلوب على تلك الشريطة.