كتب (الناقد الأديب) مقاله الأول في العدد (٣٦٨) فساق القول من أطرافه، ولم يعرج على المذاهب الفلسفية ألبتة، حتى بما يصح أن يدّعم به اتهاماته ويقوم دعواه، فلم يفطن إلى أن قصيدة الأستاذ العقاد عرض وتحليل لنظرية (كانت) في المعرفة، ولم يرد توطئة (مفرق الطريق) إلى فلسفة ما. ولكن ما أن تحدثنا في الفلسفة، ذلك في الرد على ذلك المقال الأول، وتحدثنا فيها بالقدر الذي لا يثقل على القارئ لننزل الأمور منازلها الصحيحة ونوجه القارئ إلى الحق، حتى أخذ (الناقد الأديب) بأسباب الفلسفة، وحديث الفلسفة متمعج لزج، وله أرض رخوة تنزلج القدم عليها، أو هي تسوخ فيها، فلا تقتلع إلا لتزداد بعد ذلك سوخاً، ما لم يضرب السائر في الدرب الأمين. فساق في مقاله الثاني في العدد (٣٧٢) أقوالاً وأصدر أحكاماً يغلفها التعسف الواضح، والنقد المتعسف، كما هو معلوم من أسوء النقد، وهو مطية للخطأ.
زعم (الناقد الأديب) في مقاله الأول أن مسرحية (مفرق الطريق) إنما تقوم على الفكرة الفلسفية التي أنشأ عليها الأستاذ العقاد قصيدته (القمة الباردة)؛ فكان أن قررنا في الرد على هذا الزعم - وذلك في مقالنا السابق - أن الأمر غير ذلك، لأن قصيدة (القمة الباردة) تقديماً وشعراً، ما هي إلا عرض وتحليل لمذهب الفيلسوف (كانت) في مسألة المعرفة، والمعرفة هي الفحص عن الصلة بين الذات والموضوع، هذا في حين أن (مفرق الطريق) تعالج حالة نفسية غامضة، معالجة تمت بوسائلها إلى المذهب الباطني الذي أحكم أمره الفيلسوف (برجسون). وهو مذهب يعتمد على البصيرة والإحساس الدفين - لا الدقيق - والإدراك الصرف مع إهمال ظواهر العالم وطلب خفاياه وبواطنه، وأيدت ذلك بالبرهان القاطع، فماذا كان رد (الناقد الأديب) على ذلك الإيضاح؟
لم يدحض ما أيدناه بالبرهان، بل أنه لم يتصد له وجهاً لوجه بل راوغ وداور ليعبر عنه عبراً. فإذا هو يومئ إلى أن قصيدة العقاد في (القمة الباردة) ترجع إلى أصول من فلسفة (كانت)، يصنع ذلك في نفس الوقت الذي يصرح فيه بأن (مفرق الطريق) إنما تقوم على خليط فلسفي، خليط فيه من (كانت) ومن (برجسون) وفيه أيضاً من (إبسن) ومن أشياء