إذن (فالناقد الأدبي) يعترف مكرهاً بأن مفرق الطريق ليست من (كانت) وحده، أي ليست من العين الفلسفي الذي أغترف منه دون غيره الأستاذ العقاد في قصيدته (القمة الباردة) وهو يعترف بهذا ولكن يتواري في اعترافه وراء أقوال أخرى - هي من الدخان الذي يطلق لينشئ ستراً يمهد لنقلة عاجلة من وضع إلى آخر في غفلة من العين - فيزعم أن (مفرق الطريق) فيها أيضاً من (برجسون) وفيها من (أبسن) يزعم هذا هو لا يدري أن أقواله هذه تناقض ما قاله في مقاله الأول، وأنه ينزل مكرهاً على ما قررناه من أن (مفرق الطريق) تمت إلى فلسفة (برجسون) بل هو يتورط في خطأ جديد، أو يدس اسم (إبسن) في معرض حديثه عن الفلسفات مع (كانت) و (برجسون) في حين أن ليست (لإبسن) مدرسة فلسفية قائمة بمعالمها وحدودها، إذ أن كل ما لهذا المؤلف النرويجي العظيم أسلوبه الخاص في التفكير ومعالجة الشؤون الاجتماعية!
كيف تأنى إذن أن تكون مسرحية (مفرق الطريق) في زعم (الناقد الأديب) من (كانت) مقتبسة من قصيدة العقاد - وهو ما صرح به في مقاله الأول - ثم كيف تأتي أن تكون المسرحية نفسها من (كانت وبرجسون وأبسن) - وذلك في مقاله الثاني - ولما تلبس المسرحية لبوساً غير لبوسها الأول!!
ويمتد بنا التساؤل فنقول: كيف يتأتى أن يجتمع (كانت) و (برجسون) في صعيد واحد، ولكل من الفيلسوفين مذهبه الخاص، ولكل وسائله، وهي لدى كل منهما متغايرة متباينة؟؟ وما دمنا في صدد الفلسفة نرى لزاماً علينا أن ننبه (الناقد الأديب) إلى إقحامه اسم الأستاذ في رده، تهويل محض، لا يؤخذ به من فقه (برجسون). وأغلب الظن أن (الناقد الأديب) ركب هذا الحرج ليوهم بأن مذهب (برجسون) لا صلة له بالمذهب والتصوفي من حيث المنهج، وقد أعتمد في هذه النقطة على (بحوث الأستاذ لوروا الأخيرة عن برجسون). وفي هذه الدعوى انحراف عن الصحة، فقد ورد في الجزء الأول من بحوث الأستاذ لوروا أن البصيرة عند (برجسون) إنما هي انطواء النفس على ذاتها وتوحيد الروح كلها، تواقة إلى المعرفة التأملية. كذلك قرر لوروا (أنه لا يرى شيئاً أشبه بطريقة (برجسون) القائمة على البصيرة والتأمل من طريقة المتصوفة من غير اتحاد تام) وعلل ذلك بقوله: (إن مصدر