عليك السلام من عيني اللتين تدوران فيك دورات زائغة زئبقية مروعة وتلقطان الصور من حياتك ومواتك وآفاقك وذراتك. . .
ومن قلبي الذي قدست أسراره وقدس أسرارك وخلدته وخلدك. . .
ومن فكري الذي صقلتِه وأرهفتِه وجعلتِه يتصل بأصول الحياة ويرتبط بوثيق الأسباب. . .
لقد توسعت نفسي من رحبك وتعددت بتعدد مرائيك، ورقرق خواطري نهرك الوديع اللعوب، في ابتسام الفجر وبكاء الغروب، وأحسست سلامة النبات وهدوءه وصبره وصمته ونموه وإشراقه يدب في جسدي. . .
لقد اختلطت فيك الرؤى بالأحلام، والصحو بالذهول والمنام، فتوسع عالمي ورأيت في دنياي وفي نفسي مخابئ وعجائب ومدخرات وكنونات. . .
لقد خلدت في خيالي صور الأعواد الجافة والخضراء، والربى والوهاد والزهر والمطر حتى لأوشك أن أعد كل أولئك واحداً واحداً من ترديد النظر وانطباع الصور. . .
وهل أنسى كئوس النور والظلام التي أدرتها على عيني مخضبات بأصباغ الشفقين، مشعشعات بالندى والطل، مطيبات بنفح الزهر وأنفاس السحر؟
لقد شربت عيناي فيك من النور والظلام فسكرت سكراً أبدياً أفرغ في كل خلية من خلاياي نشوة وفتوناً
لقد دخلتك كارهاً فراق بغداد. . . فكنت كالذين يقادون إلى الجنة بالسلاسل!
ثم انطلقت في رحابك انطلاق رياحك وأطيارك، أحمل قلبي إلى كل مكان كما تحمل الطير قلوبها على الأغصان، أقف على كل ما فيه حياة ونبض لآخذ لقلبي منه وطاقة يستعيض بهما عما يبذله ويسرف في بذله
فإني حين رأيت عيني عاجزة أن ترى (سر الوجود) جعلت أرمي بنفسي في مواضع يده. وكأنه عندما بدت مني لهفتي الدائمة إليه أوسع لي من عطفه فأخذني إلى قطعة فاتنة من الطبيعة المكشوفة التي لا حجاب بينها وبين حواسي الداخلية والخارجية، لأرى يده دائماً