للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحديث ذو شجون]

للدكتور زكي مبارك

بلاء الناس بالناس - ملك الشط والفراتين - زيارة سياسية

بلاء الناس بالناس

تمرّ بنا لحظات كدر وغيظ لا يخلقها غير بلاء الناس بالناس. . . نعم، تمرّ بنا لحظات نحسد فيها سكان المغاور والكهوف، ونتمنى عيش العزلة إلى آخر الزمان

هذه الحرب صنعت ما صنعت بالأرزاق والأقوات، ولم تترك بيتاً بلا متاعب معاشية، فهل تأدب الناس وتذكروا أنهم يعيشون في أعوام حرب؟ وهل تقع العيون على ناس تشهد ملابسهم بأنهم يعانون أزمات الحرب؟

قيل أن المال كثر وفاض، فعند من كثر المال وفاض؟ لم يكثر إلا عند التجار. وكثرة المال عند التجار مفسدة معاشية لا يدرك خطرها إلا الأقلون، وهي ناشئة عن بلاء الناس بالناس. . . ولكن كيف؟

الموظف المحدود الراتب، والمالك المحدود الإيراد، لا يريد هذا أو ذاك أن يقال إن حياته تعرضت لمتاعب الغلاء، فهو كما كان يعيش في أيام الرخاء، وإن كلفه ذلك غمّ القلب وهموم الديون

ما هذه الملابس الجديدة في زمن ليس فيه جديد غير دماء القتال؟ وما هذه العطور والمساحيق والأزياء في أيام لا يتعطر فيها الجو بغير جثث المحاربين؟

لو راعى الناس أنهم يعيشون في زمن حرب فخففوا من بعض المطالب لاعتدلت أسعار الحاجيات وانقشع كرب الغلاء، ولكنهم لجهلهم يأبون الاعتراف بمكاره الحرب، ويصروّن على الظهور بمظهر الوجاهة في كل مجتمع وفي كل ناد

هل عندك أبناء وبنات يتعلمون في المدارس؟

لك الله، إن كان هذا حالك، فلن تستطيع أن تقنع ابنك أو بنتك بأن الدنيا في حرب وكرب، لأن هذا الإقناع لن يتيسر إلا إذا عُقد مؤتمر من آباء التلاميذ يقررون فيه الاستغناء عن الفضول في الملابس والأزياء، ولن يُعقد المؤتمر المنشود إلا إذا وجد في آباء التلاميذ من يجرؤ على القول بأن أعوام الحرب صيرته خفيف الجيب!

<<  <  ج:
ص:  >  >>