للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اليابان إزاء الصين]

لليوزباشي حسين ذوالفقار صبري

هناك في الشرق الأقصى منذ أكثر من عام، هبّت فجأة أعاصير الحرب تجتاح الدول عاصفة بالقوانين، لا تعرف لتلك حرمة ولا تقيم لهذه حساباً، ثم خبت نارها فجأة كما قامت، وصفت سماؤها وشفّت إلا عن بضعة التحامات هنا وهناك، ولكن تيارها العميق، البعيد عن الأنظار ظل قوياً مستمراً عنيفاً تحت السطح الراكد قبل الزوبعة، المتلاطم أثناءها، ثم المختلج بعدها.

هناك في مجاهل الصين منذ أكثر من خمس سنين انبثق ذلك التيار، الجارف الآن، مترقرقاً في ذلك الحين، ولم يزد على أن يكون مشاغبة تافهة بالقرب من بيبنج (بكين قديماً)، ولكنها كانت مشاغبة توارت خلفها مطامع اليابان، فانتهزتها فرصة للإقدام والتنفيذ، ولكن تنفيذ ماذا؟ استعمار الصين؟ نعم ولكن. . . أين كانت خطتها المحكمة التدبير. . .؟ أين كانت، فإن المراقبين لم يروا منها إلا ارتجالاً إثر ارتجال، ولم تحصد هي من أعمالها إلا توريطاً إثر توريط؟

(إذا أردنا السيطرة العالمية، وجب علينا أول الأمر إخضاع الصين!)، تلك كانت عقيدة الجيش الياباني، وهو كما لا يخفى أداة الحكم في تلك البلاد. وإخضاع الصين عملية شاقة مرهقة، عملية تستنزف أعنف مجهود، وتستنفد أرواح ملايين من الجنود، وتتطلب فوق هذا وذاك وقتاً طويلاً تكون اليابان خلاله متورطة في مجاهل سحيقة في حين تكون روسيا متربصة عن يمينها، وبريطانيا رابضة عن يسارها، وأسطول أمريكا جاثم على مؤخرتها؛ إذ لم يكن هناك بد لإخضاع الصين من التوغل في أرضها الوعرة الموحشة حتى تصل الجيوش إلى معبر توانج كوان عند منحنى النهر الأصفر، وهو الذي يعد بحق مفتاح الصين اللازم لكل غاز منتصر، وبدونه يستحيل الانتقال بالجيوش الجرارة أو الإمدادات الوفيرة إلى قلب البلاد، وهو في الوقت نفسه يمهد الطريق الأسهل إلى ولاية ستشوان الخصبة الغنية (حيث توجد العاصمة الآن)، وهو أيضاً يهدد مرتفعات شانسي المشرفة على منشوكو والمغول الداخلية وسهول الصين الشمالية! فهو كما نرى معبر به مغاليق الصين إلا أنه معرّض مهدد إن لم يحمه صاحبه باحتلال وادي نهر هان الملتف جنوبه. إذن على

<<  <  ج:
ص:  >  >>