للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

٣ - تولستوي. . .!

(قمة من القمم الشوامخ في أدب هذه الدنيا قديمه وحديثه)

للأستاذ محمود الخفيف

طفولة ونسب

ويتصف الطفل منذ نشأته بصفة لعلها وليدة شعوره القوي بذاته، وتلك هي سرعة بكائه، وما يبكي من غيض فحسب، فإن عينيه تدمعان إذا لقي حنواً أو مودة ممن هم أكبر منه، وإن عجباً أن يبكي في موضع السرور ليعبر بدمعة عن امتنانه، فهل كان لذلك سبب أخر هو إحساسه بيتمه منذ أن فطن إلى موت أمه؟ ولكنه بكاء شكاء من قبل أن يفطن إلى ذلك، وهو لا

يملك أن يحبس دمعة إذا رأى غيره يبكي وأن لم يدر ما بكاؤه ولقد يغضب غيره حتى يبكيه ثم لا يستطيع إلا أن يبكي معه؛ كتب فيما بعد عما كان بينه وبين تلك البنت التي كان يربيها أبوها في أسرته فقال: (أتذكر أني أخذت وقد تعلمت الفرنسية أعلمها حروفها الهجائية، وسار ذلك سيراً طيباً أول الأمر، وكنا يومئذ كلانا في نحو الخامسة من عمره ولكن التعب أدركها فأمسكت عن نطق الحروف كما طلبت إليها، فألححت عليها فبكت ثم إذا بي أبكي مثلها، ولما دخل علينا من هم أكبر منا لم نجد ما نقوله بسبب ما كنا نذرف من الدمع).

وكان ليو أكثر من غيره من الأطفال حباً للثناء عليه وابتهاجاً بما يسمع من عبارته، وذلك أنه يفطن إلى أن الثناء عليه ينصرف بالضرورة إلى ما يبدي من دلائل الذكاء والنشاط والطموح، إذ ليس يطمع في ثناء عليه بسبب منظره أو ملاحة وجهه أو رشاقته كما عسى أن يطمع سيرجي أو نيقولا؛ فما أبعده عن ذلك كله، وهو شيء ليس في طوقه، وان كان يتمنى بينه وبين نفسه لو وقعت معجزة فغيرت شكله إلى ما يحب من وجاهة

وحسن؛ ولن تقع هذه المعجزة أبداً فليس له إلا أن يرقى بنفسه وبيدي مقدرته، ولهذا كان إذا دعي إلى عمل جمع عزمه وحرص الحرص كله على أن يكون في احسن حالاته، ومن

<<  <  ج:
ص:  >  >>