اطلعت أخيراً على نسخة من ديوان (صرَّدُر) الذي أشرفت دار الكتب المصرية على طبعه، فأخرجته منقحاً مضبوطاً بالشكل مع شروح وتعليقات مفيدة. ولكن يبدو لي أن هذه العناية لم تحل دون وقوع أخطاء بَيَّنة ينبغي النص على أمثلة منها. وأنا مثبت هنا بعض ما عرض لي في القصيدة الأولى؛ وهي السينية التي قيلت في مدح الخليفة القائم بأمر الله، والتي مطلعها:(كما قُلتُما، بُرءُ الصبابة في اليَاسِ)
يقول صرَّدُر:
جيوشٌ من الأقدارِ تُفْني عداتِه ... بلا ضَرب إيتاخٍ ولا طعْن أَشناسِ
وقد جاء في شرح هذا البيت:(إيتاخ وأشناس: كذا بالأصل، ولعل الأولى (أثباج) جمع ثبج وهو ما بين الكاهل إلى الظهر، والثانية لم نوفق إلى مراد الشاعر منها)!
وأقول إن الصواب في ذلك أن إيتاخ وأشناس اسمان لقائدين تركيين من اشهر قواد الخليفة المعتصم بالله العباسي: أشترى أولهما عام ١٩٩هـ - وكان غلاماً خَزَويا طباخاً - فرفع شأنه ورشحه لأخطر المناصب، حتى كان رأس إحدى الفرق الثلاث التي دخلت بلاد الروم لفتح حصن عمورية عام ٢٢٣هـ. وكانت حاله عند الواثق كحاله عند أبيه
وقد قتل في أول عهد المتوكل عام ٢٣٥هـ
أما اشناس فكان غلاماً تركياً اشتراه المعتصم ورباه، حتى نبوأ رفيع المراتب؛ وقد توجه ووشحه في احتفال مشهود عام ٢٢٥هـ؛ وجدد الواثق من كرامته والاصطناع إليه سنة ٢٢٨هـ وبعد عامين من ذلك التاريخ توفي وهو في أوج عظمته. . .
ويقول صردر بعد هذا ببيتين:
وقد عَلم المصريُّ أن جُنودَه ... سِنُو يوسفٍ منها وطاعون عَمواسٍ
أحاطتْ به حتى استراب بنفسه ... وأوجسَ منها خفيفةً أيً إيجاس
وجاء في التعليق على كلمة (المصري): يشير الشاعر إلى الغلاء الذي حصل في مصر أيام المنتصر العباسي الخ. والغريب أن هذا الخليفة الذي يذكره الشارح حكم في بغداد بين عامي (٦٢٣ - ٦٤٠هـ) في حين توفي صردر عام ٤٦٥هـ؛ وتوفي ممدوحة القائم عام ٤٦٧هـ