ومثل آخر يجمع صنوفاً من عدم دقة صاحب الكتاب، موقفه من السجع. فإننا صرفنا النظر عن موقفه من سجع القرآن نجد صاحب الكتاب غير دقيق في تعبيره، وغير دقيق في تفهم كلام غيره، كما نجده غير دقيق في تقسيمه بل في تفكيره، حتى لتبلغ أغلاطه من هذه الناحية أحياناً مبلغ التناقض
فمن عدم دقته في التعبير خلطة بين السجع والازدواج في شاهدين من شواهد ثلاثة استشهد بها من كلام ابن المعتز (على أن التزام السجع لم يغلب غلبة مطلقة كما سنرى عند كتاب القرن الرابع، وإنما هي طلائع لهجوم السجع نراها عند كتاب القرن الثالث) كما يقول
فأول الشاهدين قدم له صاحب الكتاب بقوله من صفحة ٨٢ من الجزء الأول:(ولابن المعتز من كلمة ثانية يغلب عليها السجع والازدواج) ثم ذكر سطرين أو أكثر قليلاً من كلام ابن المعتز يغلب عليهما الازدواج وليس فيهما إلا سجعة واحدة. فليس فيهما إذن ما يدل على غلبة السجع على كلمة ابن المعتز وإن كان فيهما ما يصح أن يدل على غلبة الازدواج. والدقة كانت تقتضي أن يأتي بشاهد يدل على غلبة الاثنين، فإن كان لا بد أن يكون أحدهما أظهر فليكن السجع لا الزدواج، لأن الموضوع موضوع السجع، والفصل فصل أطوار السجع، والاستنتاج متعلق بالسجع وطلائع هجومه عند كتاب القرن الثالث
وثاني الشاهدين كأولهما في دلالته، فقد اقتبس صاحب الكتاب لنفس الغرض من كلمة أخرى لابن المعتز ما يزيد قليلاً عن أربعة أسطر يغلب عليها الازدواج، ولا تحوي إلا سجعتين متفرقتين لا تدلان على أن السجع كان يغلب على كلمتي ابن المعتز كالازدواج، ولا على ما أراد صاحب الكتاب أن يستدل عليه من بدء هجوم السجع في القرن الثالث، لأن مثل الفقرتين المشار إليهما يمكن استخراجه لكاتب ما من المشاهير أو غير المشاهير بين كتاب أي قرن. فليس فيهما إذن دلالة خاصة عن السجع في قرن خاص كالقرن الثالث،