تمر بي في الحياة لحظات أود فيها لو أسأل الله أن يفك أجزائي ويعيد بنائي، (طبقاً لشروط أخرى ومواصفات جديدة) كما يقال في لغة أهل العمارة والهندسة؛ ولكن. . . سرعان ما اذكر كلمة (باسكال): (لو أن أنف كليوباترا كان أكبر قليلاً مما كان لتغير وجه التاريخ). هذا صحيح. ومن يدريني. لعل قائلاً يقول في أمري غداً:(لو أن أنفه كان أصغر قليلاً مما كان لتغير وجه الأدب العربي الحديث). ولكن الواقع الذي أوقن به أن تركيب الإنسان كتركيب العقاقير. فقليل من (السلامكي) على قليل من الشمر والينسون ينتج (مليناً) للأمعاء. كذلك حياة كحياتي مع قليل من ميولي وقليل من مطالعاتي. . . ينتج أدباً كأدبي. . . فكيف إذاً يغير الله بعض عناصر تركيبي دون أن تتغير النتيجة كل التغيير. وما الذي يحمله على ذلك، إلا رغبتي؟ ومتى كنا نخلق طبقاً لرغباتنا؟ لقد قرأت يوماً كلمة عني في إحدى الصحف قيل فيها:(إني أريد أن أعيش لفني، ولفني فقط). فابتسمت وقلت:(أنا أريد؟) كلمة أريد (تبدو ساذجة مضحكة من أفواه البشر وهم في حضرة (القدر)! ما أنا إلا تركيب كيميائي مثل ذلك الملين (لابد له) بهذه العناصر مجتمعة) أن ينتج هذا (المفعول) الذي يسمونه (الفن) أو (الأدب).
لا فرق في نظر (الطبيعة) بين (النحلة) و (الأديب). كلاهما مخلوق
يتنقل بين أزهار، لينتج عسلاً آخر النهار. ومن هذه (المادة) الحلوة
يصنع أحدهما بناء فصيلته، ويقيم الآخر بناء أمته. ولو سألت (نحلة)
عن رأيها فيما تفعل لما وجدت عندها رأياً ولا إرادة. إنما هي تفعل ما
تفعل بدافع من تركيبها (البيولوجي). كذلك (الأديب) مدفوع إلى التفكير
والإنتاج بحكم هذا التركيب. ولطالما تفجرت ثائراً:(لماذا ولمن أقتل
نفسي بهذا العمل المضني؟). فأسمع الجواب من أعماقي:(إنك لا تنتج
لشيء ولا لأحد، ولكن لأنك لا تستطيع أن تفعل غير ذلك. ما أنت إلا