ومما يتصل بالكلام على دين أبي الطيب أنه لم يشرب الخمر إلا في القليل النادر، فليس هو من المدمنين الماجنين، ولذلك لا تجد في شعره شيئاً من المجون إلا أن يهجو فيقذع في هجائه. وما لأبي الطيب والخمر، وهي إنما يشربها الغواة وذوو البطالة، ومن لا مطمع لهم في الحياة يسعون لتحقيقه، فأما الرجل الذي يفكر في المجد ويأمل أن يصل إلى ذروته، فليس ممن يفكرون في الخمر. حدثوا أن صديقاً لأبي الطيب كنيته أبو ضبيس سأله يوماً أن يشرب معه فأجابه بقوله:
ألذ من المدام الخندريس ... وأحلى من معاطاة الكؤوس
معاطاة الصفائح والعوالي ... وإقحامي خميساً في خميس
فموتي في الوغى أربى لأني ... رأيت الموت في أرب النفوس
ولو أسقيتها بيدي كريم ... أسر به لكان أبا ضبيس
وهو ينادم إخوانه إذا شربوا الخمر، فيشرب كأساً من الماء فقد قال له بعض بني كلاب: اشرب هذه الكأس سروراً بك، فأجابه بقوله:
إذا ما شربت الخمر صرفا مهنأ ... شربنا الذي من مثله شرب الكرم
ألا حبذا قوم نداماهم القنا ... يُسَقُّونها ريا وساقيهم العزم
ومد إنسان له يده بكأس من الخمر وحلف بالطلاق ليشربنها، فقال:
وأخ لنا بعث الطلاق ألية ... لأعللن بهذه الخرطوم
فجعلت ردي عرسه كفارة ... عن شربها وشربت غير أثيم
وهذه إحدى المرات التي شرب فيها الخمر، ولم يصب حكم الشريعة في قوله:(وشربت غير أثيم) ولكنها إحدى تظرفات الشعراء. ولعلها مع ذلك تدل على أن امتناعه عن الشرب في غير هذه المرة لمخافة الإثم.