سنتكلم في هذه العجالة على أربع خلال كان لها أثر ظاهر في حياة أبي الطيب وأخباره وشعره، وهي: الشجاعة والكبر والبخل والغدر. فأما شجاعته فهي أظهر من أن تلتمس لها الشواهد، فهو شجاع يحن شوقاً إلى لقاء العدى ويستصغر المخاطر في هذه السبيل، ويستهين بما يكابد فيه من أهوال، ولقد كان مسوقاً إلى اقتحام الردى تدفعه إليه نفسه المتوثبة الطامحة وتغريه به آماله الجسام التي يحرص على إدراكها الحرص كله، والتي يعتقد أن الوسيلة إليها هي التضحية وبذل النفس. وقد كانت فيه مع ذلك عجلة تشبه الرعونة نبتت فيه من تلهفه على بلوغ الغاية التي يصبو إليها حتى كان يخشى أن يعجل إليه الموت قبل بلوغها. أنظر إليه وهو يحدثك عن المجد الذي يتطلع إليه ويشير إلى أن الحياة أضيق من أن تتسع لانتظاره.
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها ... فمفترق جاران دارهما العمر
ولا تحسبن المجد زقاً وقينة ... فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
وتضريب أعناق الملوك وإن ترى ... لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دوياً كأنما ... تداول سمع المرء أنملة العشر
ثم انظر إليه وهو يحدثك عن مطلبه ويصف لك أن إدراكه بعيد ويحضك على ألا تبالي بما تلقاه في حياتك من الشدائد والمحن.
أريد من زمني ذا أن يبلغني ... ما ليس يدركه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث ... ما دام يصحب فيه روحك البدن
فما يدوم سرور ما سررت به ... ولا يرد عليك الفائت الحزن
ثم انظر إليه وهو يدلك على أن هناءة العيش وسعته وطيب الحياة وسائر ما في الدنيا من متاع أمور لا تدرك إلا بحد السيف.
وخضرة ثوب العيش في الخضرة التي ... أرتك احمرار الموت في مدرج النمل
ونراه لا يترك الحديث عن آماله وشجاعته حتى في المواقف التي لا يحسن فيها الفخر، ولقد كان مما اشتهر به شعره أنه يتحدث عن نفسه في أثناء المديح والرثاء. استمع إليه وهو يقول لكافور: