[بين المد والجزر]
للأستاذ إيليا أبو ماضي
سيّرت في فجر الحياة سفينتي ... واخترت قلبي أن يكون إمامي
فجرَت على الأمواج قصراً من رؤى ... ملء الفضا، ملء المدى المترامي
وأقل منها البحر حين أقلَّها ... دنيا من الأضواء والأنغام
ومشى الخيال على الحياة بسحرهِ ... فإذا الهوى في الماءِ والأنسام
وإذا الرمال أزاهرٌ فواحةٌ ... والشط هيكل شاعرٍ رسام
وإذا العباب مَلاعب ومراقصٌ ... وإذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللذات غير محاذرٍ ... وأعب في الزلات والآثام
لا أكتفي وأخاف أني أكتفي ... فكأنما في الاكتفاء حمامي
وكأن هديي أن تطول ضلالتي ... وكأن رِيي أن يدوم أُوامي
مرَّت بي الأعوام تتلو بعضها ... وأنا كأني لست في الأعوام
كالموج ضحكي، كالضياء ترنحي ... كالفجر زهوي، كالخَضم عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمتي ... ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ الحجى بي ساخطاً متهكماً: ... هذا الغنى شرٌّ من الإعدام
حتى متى تمشي بغير نظام؟ ... حتى متى تمشي لغير مرام؟
أسلمتني (للقلب) وهو مضللٌ ... فأضرَّني وأضرَّك استسلامي
يا صاح نجَّ النفس من سجن الرؤى
أنا تائهٌ!
أنا جائعٌ!
أنا ظام!
وأراد عقلي أن يقود سفينتي ... للشط في بحر الحياة الطامي
فطويتُ أعلام الهوى وهجرتها ... ونسيت حتى أنها أعلامي
وحسبت آلامي انتهت لما انتهى ... فإذا النهاية أعظم الآلام
وإذا الطريق وساوس ومخاوف ... وإذا أنا من هبوةٍ لقتام