للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تاريخ العرب الأدبي]

للأستاذ رينولد نيكلسون

ترجمة حسن محمد حبشي

الفصل الثاني

وخلف النعمان ولده المنذر وكان أميرا عاقلا شجاعا. ويستدل على سطوة اللخميين إذ ذاك من الحادثة التي حدثت عقب موت يزدجرد الأول، وذلك ذلك أن المنذر تدخل في النزاع القائم حول انتخاب خليفته، وأيد اختيار بهرام جور الذي عارض توليته رجال الدين في فارس. وفي الحرب التي أندلع لهيبها بعد قليل بين الفرس والروم برهن المنذر على أنه تابع مخلص، ولكن الروم كبدوه خسائر فادحة عام ٤٢١م. وفي أوائل القرن السادس الميلادي اعتلى العرش أمير يسمى المنذر الثالث الذي دعاه العرب أبن ماء السماء، وطالت مدة حكمه وازدهرت، وان كانت قد تلبدت سماؤها بغيوم حادثة يستحيل فهمها دون الرجوع إلى التاريخ العام لهذه الفترة؛ ذلك أنه حوالي ٤٨٠م امتد نفوذ قبيلته كندة التي يظهر أمراءها كانوا خاضعين لتبابعة اليمن خضوع اللخميين لملوك فارس، وشمل نفوذها جزءا كبيرا من وسط بلاد العرب وشمالها. وكان اليد العاملة في بسط هذا النفوذ حجر (آكل المرار) أحد أجداد امرئ القيس، ولكن ما لبث أن تفكك هذا عندما مات حجر، ولكن عاد الشمل فالتم مرة ثانية لمدة وجيزة حوالي سنة ٥٠٠م على يد حفيده الحارث بن عمرو، وصار منافسا خطيرا لإمارتي الحيرة وغسان؛ على حين كانت تعاليم مزدك الاشتراكية قد اتسع نطاق دعوته وتغلغلت بين العامة في فارس حتى انتهى الأمر بان أعتنقها الملك قباذ نفسه. ومن المؤكد انه قد حدث بين عامي ٥٠٥ و ٥٢٩م أن اجتاح الحارث بن عمرو الكندي العراق وأقصى المنذر عن مملكته. وليس من البعيد أن يكون سقوط الأخير - كما يؤكد كثير من المؤرخين - راجعا إلى عدائه للتعليم المزدكية التي أثارت سخط مولاه. وعلى كل حال - وأيا كانت الأسباب - فان الحارث قد أقصى المنذر وقتاما؛ وبالرغم من انه عاد إلى عرشه بعد فترة قصيرة قبل تولية انوشروان الذي قتل كثيرين من اتباع مزدك (٥٢٨م) فان النسيان لم يسحب ذيوله على ما لحقه من إهانة وقسوة، وإن حياة امرئ القيس

<<  <  ج:
ص:  >  >>