وقصائده لتحمل طابع الكراهية الموروثة التي تأصلت جذورها بين لخم وكندة. ولقد أدت أعمال المنذر ضد الروم إلى نشاط كبير، فقد دخل سورية ووصل إلى إنطاكية، وراى جستنيان نفسه مضطرا لان يكل أمر الدفاع والذب عن هذه الأقاليم إلى الحارث بن جبلة الغساني (الحارث الأعرج) الذي وجد فيه المنذر قوة تفوق قوته. ومنذ ذلك الحين اخذ كل من ملوك الحيرة وغسان في الإغارة على إقليم الآخر وتخريبه؛ وفي إحدى الغزوات اسر المنذر ابن الحارث، وسرعان ما ضحى به لأفروديت الإلهة العربية العزى، ولما استرد الإقليم ثانية سنة ٥٥٤م فوجئ في معمعان القتال وذبح في موقعة تدعى (يوم حليمة). ومجمل القول أن اللخميين كانوا وثنيين ليس لهم حظ من الرقي والحضارة، تلك التي يستحقها تماما النذر الثالث. وقد روى الأغاني أنه كان له نديمان من بني أسد هما خالد بن المضلل وعمرو بن مسعد، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بحفر حفرتين وأن يجعلا في تابوتين ويدفنا فيهما ففعلوا ذلك بهما، حتى إذا اصبح سأل عنهما فأخبر بهلاكهما فندم على ذلك وأغتم؛ ثم ركب المنذر حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغريين عليهما فبنيا وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عندهما يسمى أحدهما يوم نعيم يعطي فيه أول طالع عليه مائة من الإبل سودا، والأخر يوم بؤس يعطي فيه أول طالع عليه راس ظربان اسود، ثم يأمر به فيذبح ويطلى بدمه الغريان، ويقال أن عبيد بن الأبرص كان أول من اشرف عليه يوم بؤسه فقتله؛ وظل على هذا الحال حتى مر به رجل من طي يقال له حنظلة، فلما رأى نفسه مقتولا قال له:(أجلني سنة ارجع فيها إلى أهلي، ثم أصير إليك فانفذ في حكمك) فقال: (من يكفلك حتى تعود) فنظر في وجوه جلسائه فعرف فيهم شريك بن عمرو الذي قام وقال للملك: (أبيت اللعن يدي بيده ودمي بدمه إن لم يعد إلى اجله) فلما كان العام القابل جلس في مجلسه ينتظر حنظلة أن يأتيه فإبطا عليه، فأمر الملك بشريك ليقتله، فلم يشعر إلا براكب قد طلع عليهم فتأملوه فإذا هو حنظلة متكفنا متحنطا معه نادبته تندبه، فلما رآه المنذر عجب من وفائهما وكرمهما فأطلقهما وابطل تلك السنة
وقد خلفه على العرش ابنه عمرو الذي يعرفه شعراء العربية المعاصرون والمؤرخون باسم عمرو بن هند؛ وفي عهده أصبحت الحيرة مركزا أدبيا زاهرا، وقد وفد على بابه كثيرون من شعراء عصره، وسترى في الفصل التالي علاقاته مع طرفة وعمرو بن كلثوم والحارث