بن حلزة. ولقد كان عمرو هذا رجلا شرس الطباع مستبدا طاغية ضاق به العرب ذرعا كما نرى ذلك من قول الدهان العجلي:
أبا القلبُ أن يهْوي السدير وأهله ... وإن قيل عيشٌ بالسدير غريرُ
فما انذروا الحيّ الذي نزلوا به ... وإني لِمَن لم يأتهِ لنذيرُ
به البقّ والحمىًّ وأسْد خفيةَّ ... وعمرو بن هند يعتدي ويجور
ولقي عمرو مصرعه على يد كبير التغالبة عمرو بن كلثوم، ثأرا لكرامة أمه ليلى التي خدشت عنده
ونكتفي بالإشارة إلى اسمي قابوس والمنذر الرابع ابني هند اللذين ولي كل منهما العرش فترة قصيرة، ونكون بذلك قد وصلنا إلى أخر ملك لخمي للحيرة ألا وهو النعمان الثالث ابن المنذر الرابع ويكنى بأبي قابوس وقد حكم من سنة ٥٨٥ إلى ٦٠٧م؛ كما نشا في أحضان أسرة مسيحية شريفة في الحيرة قامت بتربيته وتعليمه، وكان كبيرها زيد بن حماد أبا الشاعر عدي ابن زيد، وعدي هذا ذو شخصية جذابة كما كانت وقائعه قوية الصلة بحوادث النعمان؛ وكان كل من جده وأبيه ذا ثقافة ليست بالقليلة، وشغلا مراكز سامية أيام المنذر الثالث وخلفائه، وقد استطاع زيد بواسطة دهقان يدعى (فاروخ ماهان) من اجتذاب عطف كسرى انوشروان بان صار كاتب ديوانه، وذلك منصب لا يرقاه إلا أبناء الأشراف. وحينما اشتد ساعد عدي أرسله أبوه ليتلقى المعارف مع ابن الدهقان فأجاد الفارسية كتابة وقراءة، كما أتقن العربية اتقانا تاما، وقرض الشعر، وتعلم ركوب الخيل، ولعب الكرة، كما أن جماله الشخصي وذكاءه وذلاقة لسانه وحضور بديهته كل أولئك حببه إلى انوشروان فقربه أليه واتخذه كاتبا له ومترجما في ديوانه؛ ولم يكن قد كتب بالعربية قط من قبل في الديوان الملكي، وحباه الملك عطفه، وبعث به إلى القسطنطينية في سفارة خاصة حيث استقبل اجل استقبال؛ وعند أوبته أوحى القيصر - جريا على سنة متبعة - إلى جميع الموظفين القائمين بحراسة الطريق بمد الخيل في محطات البريد بما يلزمها حتى يرى المبعوث الفارس عظمة واتساع الإمبراطورية البيزنطية