للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في بلاط الخلفاء]

سعد وسعاد في حضرة معاوية

للأستاذ علي الجندي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

وتربص سعد أسبوعاً بين يأس يطويه ورجاء ينشره، حتى إذا أذن معاوية للناس يوماً دخل في سرعانهم وغمارهم. فلما أخذوا مجالسهم، نهض بين السِّماطين وأنشد بصوت كحشرجة المحتضر:

معاوي يا ذا العلم والحلم والفضل ... وذا البرّ والإحسان والجود والبذل

أتيتك لمّا ضاق في الأرض مذهبي ... وأنكرت - مما قد أُصِبت به - عقلي

ففرِّج - كلاك الله - عني، فإنني ... لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي

وخذ لي - هداك الله - حقِّي من الذي ... رماني بسهم كان أهونه قتلي

وكنتُ أرجّي عدله إن أتيته ... فأكثر تَردادي مع الحبس والكبْل

سباني سعدي وانبرى لخصومتي ... وجار ولم يعدل، وغاصبني أهلي

فطلّقتُها من جدّ ما قد أصابني ... فهل ذا - أمير المؤمنين - من العدل

وكان معاوية متكئاً فاعتدل في مجلسه - وقد اكفهرت على وجهه سحابة من الحزن - وقال: نعوذ بالله من طوارق السوء! لقد أسمعت يا أعرابي، إذن بارك الله عليك! ما خطبك؟ وما طرحك إلى هذه البلاد؟ فدلف إليه شاب في شملة الأعراب، ساكن الطائر، رابط الجأش؛ قد لوحه السفر وتضمر وجهه من الهزال! فقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين! إنني رجل من بني عذرة. تزوجت ابنة عم لي على حب ومقة، وكانت لي إبل وغنيمات فأنفقت ذلك عليها؛ ولبثنا معاً في حياة رافهة وعيش أبله غرير. فلما كلب علي الزمان، ومستني البأساء والضراء رغب أبوها عني، وكانت جارية فيها حياء وكرم. فانقادت له مكرهة خشية أن توصم بالعقوق!. . . فأتيت عاملك مروان بن الحكم مستجيرا به مؤملا نصرته، فأحضر أباها وشكم فاه بالإتاوة إذ دفع له عشرة آلاف درهم! وقال: هذه لك، وزوجني بها، وأنا زعيم بتخليتها من الإعرابي! فمال أبوها إلى المال، وأصبح الأمير

<<  <  ج:
ص:  >  >>