ولكن الروح التي قد أصابها الدنس، والتي تكون كدرة عند انتقالها، والتي ترافق الجسد دائما، وتكون خادمته، والتي تغرم وتهيم بالجسد ورغبات الجسد ولذائذه حتى ينتهي بها الأمر إلى العقيدة بأن الحقيقة لا تكون إلا في صورة جسدية، يمكن الإنسان أن يلمسها، وأن يراها، وأن يذوقها، وأن يستخدمها لأغراض شهواته - أعني الروح التي اعتادت أن تنفر من المبدأ العقلي، وأن تخافه وتتحاشاه، ذلك المبدأ الذي هو للعين الجسمانية معتم تستحيل رؤيته، والذي لا يدرك إلا بالفلسفة وحدها - أفتحسب أن روحاً كهذه سترحل نقية طاهرة؟
فأجاب: يستحيل أن يكون هذا
- إنها قد استغرقت في الجسدي، وقد أصبح ذلك طبيعياً بالنسبة لها، لاتصالها المستمر بالجسد، وعنايتها الدائمة به
- جد صحيح
- ويحق لنا يا صديقي أن نتصور أن هذه هي تلك المادة الأرضية الثقيلة الكثيفة، التي يدركها البصر، والتي بفعلها تغشي الكآبة مثل هذه الروح، فتنجذب هبوطاً إلى العالم المرئي مرة أخرى، لأنها تخاف مما هو خفي، وتخاف من العالم السفلي فتظل محومة حول المقابر واللحود، إذ ترى بجوارها - كما يحدثوننا - أشباح طيفية بعينها، لأرواح لم تكن قد رحلت قية، ولكنها ارتحلت مليئة بالمادة المنظورة فأمكن رؤيتها
- يغلب جداً أن يكون ذلك يا سقراط
- نعم يا سيبيس، فأغلب الظن أن يكون ذلك، ولا بد أن تكون هاتيك أرواح الفجار لا أرواح الأبرار، هؤلاء الفجار الذين كتب عليهم أن يجوبوا في تلك المواضع جزاء وفاقا بما اقترفت سبيلهم في الحياة من إثم، فلا ينقطع تجوابهم، حتى تشبع الرغبة التي تملؤهم، ثم يسجنون في بدن آخر، وقد يظن أن تلازمهم نفس الطبائع التي كانت لهم في حياتهم الأولى