للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فرنسا تنهار؟!]

سبحانك اللهم مالك الملك وصاحب القدرة! أفي أقل من دورة القمر تخشع باريس محراب الأدب للقوة، وتخضع فرنسا منجم الذهب للمادة؟

أفي أسرع من كسرة بولندة والنرويج وهولندة والبلجيك ينهزم أبسل جيش على الأرض، وتنهدم أرفع أمة بالتاريخ؟

أبعد القارعة الكبرى ونجاة (فوش) من (فون كلوك) بالمعجزة المفاجئة يخلد (بيتان) و (فيجان) إلى الدعة، ويسترسلان إلى النعيم، ويطمئنان إلى الأمن، ويسالمان الأحداث في أفياء (ماجينو). ويهملان الشباب في إفناء (سان سير)، فلا يهتمان بسلاح ولا يفكران في خطة؟

لقد كانت سيدان في جسم الدفاع الفرنسي عرقوب أخيل:

جثا فيها نابليون الثالث أمام بسمارك، فلم يستطع (تيير) و (غمبتا) أن ينقذا شرف فرنسا ويفديا عاصمتها إلا ببذل الألزاس واللورين وخمسة مليارات من حر الذهب. وانخرع فيها جيش (كوراب) فانثغر عندها خط الدفاع الرئيسي فوقعت الكارثة التي لا حيلة ولا نجاة منها. وليس يدري إلا الله ماذا يملي الدكتاتوران على فرنسا الضارعة من شروط الصلح في (فرانكفورت) الثانية.

فكيف غفل القواد الفرنسيون عن هذا الثغر فلم يحصنوه ويؤمنوه؟

لقد قال رئيس الحكومة الفرنسية: إن القيادة ارتكبت أخطاء لا يتصورها العقل، وأشار رئيس الوزارة الإنجليزية إلى تهم لا يرى الوقت ملائماً للإفضاء بها. ونحن نعيذ فرنسا مَثل الوطنية العالية ونموذج العسكرية الرفيعة أن تكون ميداناً لجيش الهتلرية الخامس، فما علم الناس على ضميرها الوطني من سوء؛ وإنما نعتقد أن الديمقراطية دهاها ما دهاها من بطر الغنى وغرور الأمان واعتقاد السلامة. فلو أن الحلفاء يوم صرعوا الأفعى قطعوا ذنبها ورأسها لما تفتحت الجحيم من شياطين النازية الذين زلزلوا الدنيا وبلبلوا العالم. ولكنهم دوخوها وسلخوها وتركوها في فجوة من الأرض تتحوى وتتقوى وتستعد، وانطلقوا في جنتها الفيحاء ينعمون ويقصفون حتى أذهلتهم نشوة الفوز عن كيد الموتور وحنق المقهور، فأغفلوا الحيطة وأهملوا العدة إلى أن انفجرت عليهم السموم من كل وجه. والدولتان الحليفتان قد اعترفتا بهذا الخطأ الذي جر عليهما هذه النكبة. فقد قال المستر تشرشل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>