خطبته الأخيرة:(لقد انهارت قوى العدو في سنة ١٩١٨ فجأة. فشاءت حماقتنا أن نلقيه جانباً ثم نستنيم إلى سكرة الفوز). وقال المرشال بيتان في ندائه الأخير:(بعد انتصارنا على الألمان في سنة ١٩١٨ تغلب فينا مرح السرور على روح التضحية، وحرص الناس أن يأخذوا أكثر مما أعطوا، واستشعروا برد الراحة فأراحوا أنفسهم من عناء الجهد)
لذلك لم يكن بالعجيب أن تعقم فرنسا أم الأبطال فلم تنجب في زهاء ربع قرن من القادة العباقر من يخلف جوفر وفوش، فاضطرها الأمر أن تلقي بمقاليدها إلى رجال المدرسة العسكرية القديمة كغاملان وبيتان ممن أوهنت السن العالية عواتقهم فلا يقوون على حمل النجاد
كذلك لم يكن بالعجيب أن يفاجئهم النازيون بالخطط المبتكرة والأسلحة الحديثة، فيقفوا حائرين ذاهلين أمام الدبابات التي تقذف اللهب وتعبر النهر، والطيارات التي تنفض كالصاعقة وترتفع كالقذيفة، فيذهب غاملان ويجيء فيجان، ويستقبل رينو ويتولى بيتان، ولكن القدر القاهر فوق الناس يأبى إلا أن يكفّر المخطئ ويخسر الغافل
ليت شعري ماذا قال الفرنسي الحزين المهان المحطم حين سمع المرشال بيتان يقول ليلة الأمس في أول ندائه:(إننا في قلة من الجنود، وقلة من الأسلحة، وقلة من الحلفاء، ولذلك انهزمنا)
لعله قال: وأين إذن يا مارشالي العزيز السعي الذي سعيته والمال الذي أديته؟ إن فرنسا وإنجلترا ومستعمراتهما يبلغون ستمائة مليون نسمة، فهل يجوز على مثل هذا العدد القلة والضعف لولا أن هناك خطأ من الإنسان أو خذلاناً من الله؟
لقد برهن الفرنسيون في معركتهم الخاسرة أنهم جديرون بمكانتهم من ثبت الشرف وتاريخ البطولة. وما غلبوا إلا لأن الديمقراطية التي يعتقدونها لا تفكر إلا في السلم، ولا تتسلح إلا بالعهود والمواثيق والقوانين والشرف، وأن الدكتاتورية التي يعادونها لا تفكر إلا في الحرب ولا تتسلح إلا بالحديد والنار والدعاية والخيانة والكذب
على أن الله عوّد فرنسا العريقة أن يحفظ عليها الشرف إذا شاء أن تخسر المعركة. وبقاء الشرف ضمان لبقاء العزة. والعزة حافز دائب الوخز يدفع إلى الحياة بالموت، ويرفع إلى السيادة بالتضحية