لم يكن في طبع عبد الله بن عباس ميل إلى السياسة. فلم يشترك في إدارة شؤون الدولة الإسلامية الحديثة، ولم يترأس حزباً من الأحزاب السياسية، ولم يتول منصباً من المناصب الكبرى خلا مرة واحدة تولى فيها منصب إمارة البصرة في عهد خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب في سنة ٣٩ للهجرة - ولعله فعل ذلك إرضاءاً لإبن عمه - غير أنه لم يبق في منصبه هذا غير عام ثم اعتزل السياسة وقفل راجعاً إلى الحجاز حيث اعتكف في (الطائف) لسبب لا زال موضع بحث في كتب التاريخ.
وقد عاش في الحجاز قربة ثلاثين عاماً على غلة أملاكه الكثيرة حتى توفى بالطائف عام ٦٨ أو ٦٩ أو ٧٠ للهجرة وقد زار في خلال هذه المدة بلاد الشام فوفد على معاوية وتحدث إليه ولكنه صرف أكثر هذه المدة في الحجاز في دراسة الموضوعات العلمية ولا سيما ما يختص بتفسير القرآن وأخبار الأوائل وأيام العرب. وقد بعثت هذه الدراسة نشاطاً عظيماً في عاصمة (الثقفيين) حولات إليه الأنظار. فجاءت إلى (الطائف) جماعات تلتمس العلم من (الحلقة) التي كونها ابن عم الرسول ومن المدرسة التي أنشأتها في الطائف فغدت بعد مدة قصيرة أكبر مدرسة (للتفسير).
ولم يشترك ابن عباس في العهد الأموي في الأحداث السياسية التي وقعت فيما بين الأمويين وخصومهم. ووقف من كل ما حدث موقف رجل محايد ناصح. فكان ينصح من تحدثه بالخروج على الأمويين بالتروي وعدم الاندفاع. ولما وقع الخلاف بين عبد الله ابن الزبير وعبد الله الملك بن مروان وجد الحكمة في العزلة والابتعاد عن الناس واتباع سياسة الصمت والسكوت فكان إذا سئل في موضوع سياسي يقول: يا لسان قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم، فإنك إن لم تفعل تندم. وقد أوقعته هذه السياسة عند البعض في مواطن الشبهات فقالوا إنه كان على اتصال خفي بمعاوية الذي أغدق عليه الأموال وبالأمويين؛ وأنه تفاهم معهم وأيد جانبهم بهذه السياسة. وقد صادفت هذه التهمة هوى في نفوس بعض المستشرقين فاتخذوها مغمزة للكيد للمسلمين.
والحقيقة أن هذه السياسة التي اتبعها عبد الله بن عباس تمثل وجهة نظر فريق أدرك أن من