لا أدري، أأواسي الأستاذ حنفي محمود جمعه لفشله في الانتخابات أم أهنئه لأجله. أما المؤاساة فللجهد الذي بذله ولم يثمر، وللمال الذي أنفقه ولم يفد، وللآمال التي عقدها حينا فتبددت. وأما التهنئة فلأنه خرج من المعركة الانتخابية التي خاض غمارها في أواخر سنة ١٩٤٤ بكتابه الناجح (سقطت في الانتخابات) ولولا فشله في تلك الانتخابات لما كتبه، فلعله كان يتحرج من كشف النقاب عن دخائلها، وعما يجري فيها من أمور مخالفة للقانون، وعن الوسائل التي يتذرع بها المرشحون للفوز، وعن الوسطاء من المرتزقة الذين ينتهزون الفرصة ليبتزوا المرشح. وعن الناخبين من الجهال الذين يتقاضون ثمن أصواتهم، وعن رؤساء النقابات ومشايخ الحارات الذين يقدمون عددا معينا من الناخبين. . إلى غير ذلك مما تجده مفصلا في الكتاب.
وقد عرف الأستاذ حنفي محمود جمعه كيف ينسق الحوادث وكيف يرويها حينا في سذاجة مقصودة، وكيف يحللها أحيانا في تفكير صحيح مستقيم، وكيف يستخلص طورا العظات البالغة من تقلباتها، وكيف يترك طورا للقارئ أن يتولى بنفسه استخلاص تلك العظات.
والحق أن الكتاب ملئ بالدروس القيمة التي يجب أن نتدبرها لأنه يعالج ناحية هامة من حياتنا القومية، ويقدم صورة ملموسة للانتخابات التي تجري بين ظهرانينا، ويصف العوامل المحلية التي تؤثر فيها. ولا شك أن العوامل التي تؤثر في الانتخابات متعددة الوجوه متبدلة الأنواع، تختلف باختلاف البيئات والبلدان والشعوب.
ويكفي أن نعرف أنها عند جميع الأمم تكلف مبالغ باهظة من المال لنقدر تلك العوامل الكثيرة، فالإعلانات والحفلات والرحلات وما إليها من أنواع الدعايات التي تستدعي نفقات طائلة لا يستطيع أن يتكبدها جميع الناس أو جميع الأحزاب.
فإذا تجاوزنا هذه العوامل المادية إلى العوامل الأدبية والاجتماعية اضطرنا الحديث إلى